"نجوى حشاش".. الشاهدة على جرائم الاحتلال بحق ولديها ومنزلها في جنين

يوليو 7, 2024 - 09:13
يوليو 7, 2024 - 09:14
"نجوى حشاش".. الشاهدة على جرائم الاحتلال بحق ولديها ومنزلها في جنين

علي سمودي

أحرقت القذائف الإسرائيلية، حياة عائلة "الحشاش"، قبل أن تحرق جثمان ولديهما همام والحارث ومنزلهما، في مشهد مؤلم ومأساوي تقشعر له الأبدان، خاصة بعدما أرغمت قوات الاحتلال الوالدة الخمسينية نجوى عبد الله نمر حشاش على مشاهدة تفاصيل تلك اللحظات المروعة التي لن تنساها أبداً، عندما احتجزتها قوات الاحتلال على مدار 5 ساعات، قبالة المنزل مباشرة، لتتابع لحظات قصف وإحراق جيش الاحتلال المنزل وتصفية ولديها، وقد رفض جنود الاحتلال السماح لها بمخاطبتهما ومحاولة إقناعهما بمغادرة المنزل، ففي كل مرة حاولت الأم الوصول إليهما قطع الجنود عليها الطريق، وقال لها ضابط المخابرات الإسرائيلي:" نريد قتلهم"، وهذا ما حدث فعلاً.


كوابيس رعب ووجع، تعيشها المواطنة نجوى "أم معاذ"، من هول المشاهد المروعة التي عاشتها منذ الساعة الثامنة من صبيحة أمس الأول الجمعة، عندما استيقظت وعائلتها على صرخات قوات الاحتلال تطالب أسرتها بالخروج من المنزل الذي تعرض طوال العدوان لقصف بأكثر من 15 قديفة أنيرجا لينتهي ذلك بطريقة مروعة.

تفاصيل المشهد
وأوضح الابن الأكبر للعائلة معاذ (26 عاماً) لـ"القدس" دوت كوم، بأن الوحدات الخاصة تسللت لمنزل عائلته الواقع في وسط أحراش السعادة غرب جنين، بواسطة 3 مركبات تحمل لوحات ترخيص فلسطينية، من بينها مركبة من نوع جيب "كيا"، وهو شبيه بالجيب الذي تملكه عائلته من حيث اللون والحجم والتفاصيل، ويقول:" الواضح أنهم خططوا للعملية جيدا، فقد استخدموا نفس مركبتنا حتى لا يكتشف الأهالي أنهم من قوات المستعربين، واختاروا الوقت الذي يكون الجميع فيه نياما، وخلال ثوان حاصروا المنزل وطلبوا من عائلتي الخروج".


وفي نفس الوقت، كانت أكثر من 20 دورية قد اقتحمت الحي وحاصرته وشرعت في دهم المنازل والعمارات المجاورة واحتلتها، ونصبت القناصة عليها لتحكم الحصار على منزل الحشاش من كافة الاتجاهات.

حصار وتهديد
بعد استكمال الحصار وتحويل الحي لثكنة عسكرية، كررت قوات الاحتلال مطالبتها عائلة الحشاش بالخروج من المنزل وتسليم نفسها للجيش الذي وجه أسلحته وقذائفه المحمولة على الأكتاف نحو المنزل، بينما حلقت طائرات الاستطلاع على ارتفاع منخفض، ليتطور المشهد بسرعة.


وقال معاذ: "بعد اكمال الحصار وتهديد أسرتي، خرج والدي وشقيقي، بينما رفض شقيقي الآخر همام الخروج وصرخ على جنود الاحتلال: "أنا لست مطلوبا ولن أخرج، وإذا كنتم تريدونني أدخلوا واعتقلوني، فانضم إليه شقيقي الحارث وبقي معه".


ويكمل: "هدمت قوات الاحتلال جدران المنزل المجاور، وفتحت الطريق أمام فرق الإعدام والقتل التي كانت متمركزة في منازل الجيران، وأطلقت أول دفعة من قذائف الانيرجا نحو المنزل. عندها طلب والدي من ضابط المخابرات السماح له بالدخول لإخراج ولديه، لكنه رفض وواصل احتجازه، ثم أطلقت قوات الاحتلال دفعة ثانية من القذائف التي هزت المنطقة".

القصف والحرق
وتنهد الشاب معاذ مطولاً، وهو يتجول وسط الأنقاض والدمار الذي خلفه الاحتلال في منزلهم الذي أفنى حياته لبنائه، وقال:" عندما اشتد القصف صرخت والدتي التي كان يحتجزها الجنود منذ بداية العملية تحت أشعة الشمس الحارقة قبالة المنزل مباشرة، وطلبت من ضابط المخابرات السماح لها بالذهاب إلى المنزل وإقناع ولديها بالخروج، لكنه رفض وقال لها /بدي أقتل ابنك، حضرنا لقتل همام".


ويكمل "تكرر القصف واتصل شقيقي همام مع والدتي وأبلغها بأنهم أصابوا الحارث بالقذيفة وأحرقوه أمامه في الطابق الثاني من المنزل، وأكد أن قذيفة الانيرجا أصابته بشكل مباشر".

إعدام
بعد استشهاد الحارث وأمام استمرار القصف، زحف همام الذي كان قد أصيب بعيار ناري في صدره (عند القلب) ونجح بالوصول للطابق الأرضي.

ويقول معاذ:" لا توجد كلمات تصف اللحظات الصادمة التي عاشتها والدتي عندما تلقت خبر إعدام وإحراق الحارث، ولم تشفع صرخاتها ودموعها لها أمام قوات الاحتلال، فاستمروا باحتجازها وإرغامها على متابعة مشهد تدمير المنزل وإحراقه وملاحقة أخي همام الذي أبلغها بنجاحه في الوصول للطابق الأرضي زحفا على بطنه".


ويضيف: "فجأة بدأ صوت شقيقي يتقطع ويختفي، بعدما قال لوالدتي بأنه بدأ يشعر بالاختناق بسبب إصابة اسطوانات الغاز وانتشاره في أنحاء المنزل، وبعد لحظات توقف عن الحديث لانه كما يبدو فقد الوعي".


هذه المشاهد كان يتابعها ضباط وجنود الاحتلال الذين لم يتمكنوا حتى تلك اللحظة من الاقتراب من المنزل، بل وحسب الشهود، كانوا يطلقون القذائف والرصاص من كل مكان، مما يشير لحالة خوف ورعب من الشبان المحاصرين داخله، وبعدما اختفى صوت همام وشعر جنود الاحتلال بأنه يمكنهم اقتحام المنزل، أطلقوا دفعة رابعة من صواريخ الانيرجا، ثم زخات كثيفة من الرصاص، تلاها اقتحام وحدة كبيرة من جنود الاحتلال وسط إطلاق النار.


وقال معاذ: "توقف كل شيء في المنزل ولم يبق صوت لهمام وسط الحريق، ثم اقتحم الجنود المنزل، ووصلوا الى الموقع الذي كان قد وقع فيه همام على الأرض بعدما فقد وعيه، فاطلقوا النار عليه وقاموا بإعدامه وتصويره.

وأضاف: "عندما غادروا المنزل، سألت والدتي ضابط المخابرات: أين ابني فلم يُجب على سؤالها، لكنهم قالوا لوالدي الذي اعتقلوه بأنهم قاموا بتصفيته وقتله وعرضوا عليه صورته شهيداً".


بعد ساعات من العملية، انسحبت قوات الاحتلال من المنزل والمنطقة، واعتقلوا المواطن أسعد لأحمد حشاش 57عاماُ، و 4 مواطنين من سكان المنازل المجاورة ونقلوهم الى جهة مجهولة، بينما هرعت للمنطقة سيارات الإسعاف والدفاع المدني والمئات من المواطنين فور انسحاب الجيش وباشروا في عمليات بحث وتمشيط، لكنهم لم يعثروا على شيء.

وبينما أكد شهود عيان، أن قوات الاحتلال اعتقلت مع الوالد الحشاش نجله همام الذي قاموا بتصفيته، عثر بعد حوالي ساعة على جثمان الشهيد الحارث تحت سرير في الطابق الثاني من المنزل الذي احترق بالكامل.


وقال ضابط الإسعاف خالد الأحمد لـ"القدس" دوت كوم:" لا توجد أي آثار أو ملامح لجثمان الشهيد حيث احترق بالكامل".


وفي الأثناء، تعالت صرخات الوالدة نجوى، التي لم تتمكن من رؤية حبيب قلبها الحارث.


ويقول معاذ:" كان جثمان أخي كومة من الفحم بسبب الاحتراق. لم نحتمل المشهد ولم تتمكن والدتي من رؤيته، فهي فقد كانت تصرخ وتبكي وتطالب بمعرفة مصير همام والحارث حين عثرنا عليه، ولا يمكنها احتمال المشهد، لذلك سارعنا لتشييع جثمانه ودفنه بصورة سريعة حتى لا تعيش مأساة جديدة بعدما شاهدت احراق المنزل وولديها".

رفض مزاعم الاحتلال
ورفض معاذ مزاعم الاحتلال الذي اتهم شقيقيه بالضلوع بعملية تفجير عبوتين في مرج بن عامر شمال جنين يوم 26/ 6/2024، أدت لمقتل ضابط وإصابة 17 جنديا، وقال:" هذه مزاعم كاذبة للتغطية على جريمة الإعدام والحرق هذه، ولا توجد لدينا أي معلومات حول ذلك، وما حدث مجزرة مروعة، وخاصة احتجاز والدتي وإرغامها على مشاهدة هذه اللحظات القاسية".


وأضاف "شقيقاي لم يكونا مطلوبين، وكانا يعيشان حياة طبيعية، والدليل أنهما كانا يتواجدان في المنزل بشكل طبيعي ويواصلان حياتهما ولم يتعرضا للملاحقة أو الاعتقال"، معبرا عن قلقه الشديد على حياة والده الذي اعتقل بشكل تعسفي، وطالب بالافراج عن جثمان شقيقه الشهيد همام.


ويعتبر الشهيد همام (23 عاماً)، الثالث في عائلته المكونة من 5 أنفار.


وكان همام عمل بعد نجاحه في الثانوية العامة في عدة مهن، آخرها على دراجة نارية لتوصيل طلبات للمواطنين، أما شقيقه الحارث (21 عاماً)، فقد عمل في محل تجاري بمدينة جنين.


جدير بالذكر، أن اشتباكات مسلحة عنيفة بين المقاومين وقوات الاحتلال، اندلعت في مدينة ومخيم جنين خلال توغل الاحتلال وتنفيذه هذه الجريمة، فيما قامت طائرة مسيرة باطلاق صاروخ مضاد للافراد على مدخل المخيم الغربي، مما أدى الى ارتقاء 4 مقاومين، لتبلغ حصيلة المجزرة 7 شهداء إضافة لعدد آخر من الجرحى.