لماذا يجب أن لا ننجر لنقاش "اليوم التالي" الآن

يوليو 2, 2024 - 08:57
لماذا يجب أن لا ننجر لنقاش "اليوم التالي" الآن

غسان الخطيب

يلفت الانتباه مبالغة الولايات المتحدة وأوروبا وبعض الأواسط والأسرائيلية في محاولات حرف الجدل الدائر حول جرائم الاحتلال في غزة، إلى النقاش حول ما يسمونه "ترتيبات اليوم التالي"، وذلك كمن يسعى لبيع جلد الدب قبل صيده.


ويهدف تركيز النقاش على اليوم التالي، بدل اليوم الحالي، بشكل عام إلى محاولة جني ثمار العدوان الإسرائيلي العسكري سياسياً، ذلك أن هذا النقاش مبني على فرضية نجاح إسرائيل في تحقيق أهدافها من الحرب التي أعلنتها على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وحاجتها إلى ترتيبات سياسية تضمن المحافظة على تلك المكتسبات العسكرية المفترضة والمأمولة.


أما الهدف المحدد فهو مساعدة إسرائيل في الخروج من الوحل التي ستجد نفسها فيه "اليوم التالي"، إن كان لجهة الاستنزاف العسكري المتوقع استمراره، أو المسؤولية المدنية والإدارية والأخلاقية التي ستكلفها غالياً.


مأزق إسرائيل يتمثل في أن تحقيق أهدافها المعلنة من حربها يتطلب نوعاً من إعادة احتلال قطاع غزة بشكل مستمر، الأمر الذي تحاول إسرائيل تجنبه لنفس الأسباب التي دعتها للانسحاب منه قبل ما يقارب من عشرين عاماً، ولذلك فإن إسرائيل تجد نفسها بحاجة إلى من يساعدها، ويتشارك معها في الحفاظ على الإنجازات التي تفترض أنها سوف تحققها في هذه الحرب، من خلال نوع الترتيبات السياسية والأمنية والإدارية في مرحلة ما بعد إنهاء هذه المواجهة.


وفي هذا الصدد فإن خلاف نتنياهو مع الولايات المتحدة حول "اليوم التالي" ليس جوهرياً بل شكلياً، فهو من ناحية يصر على استمرار النشاط العسكري الإسرائيلي في القطاع بعد انتهاء الحرب، ولا يمانع في وجود جهة (عربية أو فلسطينية، على أن لا تكون السلطة) تقبلها إسرائيل، تقوم بإدارة القطاع مدنياً وخدماتياً، ولا شك أنه يستلهم ذلك من نموذج التقسيم الوظيفي الذي فرضته إسرائيل في الضفة الغربية، حيث تحتفظ لنفسها بالمسؤولية الأمنية، وتترك للسلطة الفلسطينية عبء المسوؤليات المدنية والإدارية.


وهذا لا يختلف أبدا عن الموقف الأمريكي الذي يبحث عن جهة (يفضل أن تكون السلطة الفلسطينية) لتقوم بإدارة شؤون القطاع بعد الحرب، ولن يكون لديهم اعتراض إذا استمرت إسرائيل في دورها الأمني هناك.


إن الامتناع عن المشاركة في نقاش "اليوم التالي" أو لعب دور فيه من قبل الفلسطينيين والعرب، من شأنه أن يضع إسرائيل والولايات المتحدة أمام أحد خيارين كلاهما مر، الأول أن تدفع إسرائيل ثمن مغامرتها غير المحسوبة من خلال استمرار التورط في احتلال قطاع غزة، وتحمل مسؤوليات ذلك العسكرية والإدارية والأخلاقية والقانونية، والخيار الثاني أن تنسحب من غزة من جانب واحد ودون أية ترتيبات مشتركة حول "اليوم التالي"، باعتبار ذلك شأناً فلسطينياً داخلياً يجري بحثة وترتيبه فلسطينياً وعربياً بعد الانسحاب الإسرائيلي وعلى ضوئة.


سبب آخر لضرورة عدم الانجرار الفلسطينيين والعرب في نقاش "اليوم التالي" مع الولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل، هو أن هذا النقاش سيكون مدعاة لمزيد من الفرقة والخلاف الفلسطيني الداخلي دون جدوى، علاوة على أنه يكلف من يشارك به احترام الرأي العام الفلسطيني والعربي الذي يرى في مثل هذا النقاش نوعاً من الطعن من الخلف.

......
مأزق إسرائيل يتمثل في أن تحقيق أهدافها المعلنة من حربها يتطلب نوعاً من إعادة احتلال قطاع غزة بشكل مستمر، الأمر الذي تحاول إسرائيل تجنبه لنفس الأسباب التي دعتها للانسحاب منه قبل ما يقارب من عشرين عاماً.