أمنوا بالنصر فحققوه ..

مايو 8, 2024 - 09:28
أمنوا بالنصر فحققوه ..

هم فتية آمنوا بربهم منذ البدايات، وهم فتية آمنوا بالنصر فحققوه، وتواروا عن الأنظار واعتلوا الربوة ‏وتمترسوا بخندق الإيمان بالقدرة على إحداث ثورة وإعادة الاعتبار للوسخين بخيام اللجوء وللمقهورين ‏وإثبات هوية المطرودين من كروم التين والزيتون، كانوا إن عقدوا العزم بالتسلل إلى أعماق أحلام ‏البسطاء، والسير بمحاذاة فعل العشق للأرض السمراء، هم المؤمنون بعدالة قضية الانعتاق من قبضة التنين ‏وان كان على أبوابه كل طغاة الليل يحرسونه من سطوع شمس الحقيقة، هم من تشردوا وسكنوا أطراف ‏المدن وشكلوا بوتقة المخيم حيث لفظتهم مدائن الإنس والجان، وقفوا على ناصية أحلامهم وقاتلوا، وأدركوا ‏معادلة إثبات الوجود وفلسفة حقيقتهم، كانوا ان جابوا وتجولوا خلسة وتسللوا إلى أرض البرتقال وعقدوا ‏العزم بتحدي نظرية الإدراك الخاضعة لحسابات المنطق في مواجهة العين للمخرز وتمرد الشاة على ‏السكين، كانوا ثلة ممن شاهدوا الإذلال الكبير بواقع تغريبة ابن كنعان من سواحل حقيقته، والمنارة مضاءة ‏لاسترشاد التائهين بتلاطم الأمواج العاتية… كان الثالوث المرعب وصمة على جبينهم ورثوه عن آباءهم، ‏التشتت والتشرد وضياع المعنى الوجودي لكنعانيتهم التي أضحت مبعثرة مهددة بالانقراض، حكاية التوهان ‏بالصحاري المكفهرة صارت واحدة من يوميات البحث عن معنى وجودهم كبشر خلقوا لممارسة الحياة ان ‏استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وبعد أن كانوا أسياد المنطقة صاروا عبيد الليالي منبوذين بكل البراري، هم فتية ‏آمنوا بأحقية الإنسان بكرامة النهار وبالحق بالمتعة تحت جنح الليل والقمر ساطعا، غير مختبئين أو خائفين ‏من لبسة البزات العسكرية وإن كانوا بالضاد ناطقين‎ ..‎


تجمع عشاق الشمس والقمر معا، وأطلقوا العنان لأحلامهم وكان القرار بإحالة الحلم إلى حقيقة الهدف، ‏وبالتالي كان الإيمان بعدالة الحق، وبالقدرة على الانعتاق من عبودية القهر، وإطلاق الفعل نحو قبلة ‏الأحرار، وعقدوا العزم بأن يكونوا رموزا للأحرار، وبالتالي كانت الكلمة المعبرة عن الإرادة الحرة من ‏خلال بندقية الثائر المصمم على نيل حريته من عبودية البوادي والتشرد والمطاردة خلف لقمة العيش … ‏بعد ان صارت كنيتهم لاجئين وأسرى لا يقترب منهم أحد، والجميلات عند آخر الليل تبتعد عنهم كأن ‏الرجولة قد غادرتهم، وللحقيقة وجهان ولعل أبرز تلك الحقائق هي حقيقة وجودهم وهويتهم الشاهدة على ‏مذبحتهم. ‏


إذن كان القرار لهم هذه المرة والخيار اختيارهم، ونظريتهم بمعادلة الأرقام خطوها هم.. وكانت كلمتهم لهم ‏فقط دون غيرهم بالتالي كانت قبلتهم قبلة الاحرار حينما امتشقوا بنادق الثوار السمراء وخطوا بأقدامهم ‏دروب سهول الأرض العطشى للأحمر القاني … وسطروا ملاحم الأقاصيص والحكايا … لم تكن أسماؤهم ‏معروفة، ولا وجوههم ولا أصواتهم ولا كلماتهم … كانوا أشباحا، اخترقوا عتم الليالي الحالكة، يوم يهل ‏الهلال الأول.


اتبعوا دروبا شائكة في البر والبحر والجبال، واختاروا المعركة وجها لوجه، مع عدوهم.. حتى وقعوا شهداء ‏وأصبحوا الشهداء الأسرى أو الأسرى الشهداء والمطاردين والمطرودين واللاهثين خلف الحلم الحقيقة او ‏حقيقة احلامهم التي أضحت أهداف الفعل والفعل المضاد للصورة وكان لهم أيقونة ثورة الأحرار وصاروا ‏الثائرين الثوار وأطلقوا العنان للصرخة المدوية كشعار لصرخة المرحلة (الحرية او الموت..) وما بدلوا ‏تبديلا‎ . . .‎


صاروا رموزا وأعلاما ومفخرة لقراهم ومدنهم ومخيماتهم يُشار لهم بالبنان… أما وجوههم وأصواتهم ‏وكلماتهم فقد أضحت حكايات وشعارات وصورا… أطلوا في عز اكتمال البدر بتوقيت الأحزان وكان القول ‏الفصل في سفر تاريخ المقاومة…. هكذا كانت البدايات … وهكذا كانت هي الأدبيات والنظريات تخلقها ‏وتصنعها إرادة الايمان بحتمية الانتصار والعودة الى الوطن والأوطان ليست مجرد البقعة الجغرافية بل ‏للعودة إلى هوية الإنسان واستعادة كرامة مفقودة بمدائن الإنس والجان‎ …‎


كان عبورهم إلى هذه البقاع بهدف قول كلمة يحفظها التاريخ.. وكان لمكوثهم ببطن الأرض الحبلى بشقائق ‏النعمان كأرقام بهدف تعرية تاريخ اغتصاب فراشات زهر البرتقال، وبعودتهم جنوبا تدوينا لرواية تأرخ ‏عشاق الحياة، فموتانا يحضرون عند كل ابتسامة طفل يمارس لهوه في حواري مدينة الأسوار ويأتون عند ‏كل صبح مع قطرات الندى‎ …‎


هذه الحكاية من أولها… وهذه قصة من عبروا يوما.. فقد حلموا بليلة بحضن الجبل المنتصب شموخا على ‏شاطئ حيفا وبمعمودية بمياه شواطئ يافا، وكانوا إن سمعوا نداء حفيف أوراق أشجار الصنوبر، ونعيق ‏أصوات غربان ليل غريبة عن المكان وطارئة بتاريخ الزمان، فمنهم من ركب البحر وناجى القمر وشهد ‏الموج على ملحمة سطرتها أكفهم بعتمة ليل أضاءته انتصارات الحب المتشكل بين ضلوعهم على قسوة من ‏عاثوا بالأرض فسادا، وكانت إن احتضنتهم أرضهم ورحبت بمن يأتون مهللين مكبرين مبتسمين فقد كانوا ‏هنا حيث وقف المسيح يوما مناجيا رب عرش السموات والأرض ليشهدوا انبلاج حقيقة أشيائهم كما البتول ‏مريم حينما أتاها عيسى المخلص نصير فقراء كل الأزمان …. جاؤوا ليرتلوا تعويذة جداتهم المعلقة بأفئدتهم ‏منذ عرفوا ان ثمة وطنا مسيجا بالغار والياسمين وتنبت فيه أرواح الأنبياء المتجولة ما بين قدس الأقداس ‏وناصرة البشارة، مأسورا بثنايا خرافات تاريخ قتلة الحلم، ومغتالي عصافير البراري كونها تشدو الصبح ‏زقزقة عند أضرحة الشهداء‎ ….‎


أتوا عابرين ملوحين بقبضات أياديهم، وساروا بدروب منابت الزعتر والميرامية، وبكل خطوة بمسيرتهم ‏تنهيدة وأمل بأن تتوالى خطوات العبور والتجوال … فهم الآن على أرض الله التي تسمى فلسطين … ‏وكنعان حفر اسمها على صخور تأبى أن تلين … جاؤوا من كل المدائن … وحطوا ترحالهم ببراريها ‏ومارسوا عشقهم لأول مرة تحت الشمس وقالوا كلمة من كلمات الرب بحضرتها وأمسكوا بشيء من حقيقتهم ‏وعرفوا معنى أن تتوحد روحك بقلبك وبما تؤمن به إيمانا مطلقا فكانت بالتالي الحكاية‎ …‎


من كل الأجناس كانوا عربا وعجما اتجهوا صوب شمس تلال الجليل، وعزفوا سيمفونية الخلود، حينما ‏عبروا الأرض البكر اقشعرت أبدانهم وأدركوا سر ابتسامة الشهداء، فركعوا وصلوا ورتلوا من مزامير ‏كنعان، وبكوا وضحكوا وخاضوا معركتهم وحملوا أماناتهم وترجلت أرواحهم نحو السماء، مارسوا عشقهم ‏فعشقتهم الأرض الطيبة وابتلعتهم ببطنها، واعداء النهار جاؤوا بهم وفتشوا بثناياهم ورسموا شارات حقدهم ‏على محياهم، وزرعوا لهم أرقاما فنبتت أشجار الزيتون وتألقت اخضرارا … وظلت شاهدة على من عبروا‎ ‎‎…‎


هي قصص وروايات لأزمان كان فيها اكتمال لمعنى أن تكون عاشقا مقاوما، تجوب الأرض وتستجدي فعل ‏العبور، وتنتظر حتى تأتيك البشارة وتتهيأ ليوم الولوج عبر الدروب والمتعرجات لتصعد الجبل الشامخ ‏هناك وتنحدر نحو السهل المخضب بدماء الأولين، لتستشعر تاريخهم وتعلم حينها معنى ان تصمد على ‏أرض فلسطين‎ ….‎


انتظروا كثيرا، وظلوا بلا أسماء، فمنهم من قضى، ومنهم من ينتظر لحظة إعلان حقائقهم، حتى جاءهم من ‏كان كافرا بكل القيم والقامات والعلم والفعل والقول المطلق المنطلق من زغاريد الثوار وبالحق والأحقية ‏وبصرخات من يقبعون بالعلب الاسمنتية، وأصبحت الجغرافية أضيق مما نتخيل وصارت قاحلة مكفهرة ‏ربما تقبل القسمة على الفتات وملوك الإقطاعيات الجديدة المتربعين على عرش الأكذوبة، وأصبحنا على ‏موائد اللئام يتامى وهؤلاء الفتية صاروا جزءاً من موروث الحكاية العبثية بفعلهم وفقا لوصف القيصر ‏الجديد ذي التواصل والوصال‎ …‎