معادلة- من حفنة الطحين الى حفنة التراب الى حفنة الهواء

فبراير 26, 2024 - 09:37
معادلة- من حفنة الطحين الى حفنة التراب الى حفنة الهواء
لم يكن مشهد الطفل الصغير يلملم بعض ما تناثر على الأرض من طحين شمالي غزة و يضعه في جيبه مختلطا بما تيسّر من اوساخ و حصى و تراب، هو مشهد التجويع الإسرائيلي الوحيد الذي يلفت العين ويكسر القلب، فلقد شاهدت من قبل أخوين عادا لمنزلهما المقصوف في جباليا، فقط من أجل أخذ كيس طحين تركاه خلفهما عندما حلت ساعة الرحيل. لم يخطر في بالهما استعادة أي شيء آخر قبل الكيس، ولما كان امر استعادته عسيرا، بسبب وحوده تحت انقاض ثقيلة، قاما بتفريغه بأيديهم قبضة قبضة، أي حفنة حفنة. ومهما يكن من شيء فإن الجوع شيء والتجويع شيء آخر. قد يكون الجوع شيئا طبيعيا بسبب الجفاف الذي يضرب في المناطق الحارة او الفيضانات التي تغرق الزرع وتجفف الضرع ، أو الجراد الذي يأتي عندما يأتي على الأخضر واليابس، ما يحدث في غزة، تجويع يختلف عن أي تجويع، فهو أولا مع سبق الإصرار والترصد، وآخر ما حرر على هذا الصعيد دعوة الوزير بن غفير لنتنياهو قبل بضعة أيام أن يستمر في منع ادخال المساعدات والشاحنات الى شمالي القطاع حتى ترضخ حماس لشروط اطلاق سراح مأسوريها. وهو – التجويع – يطول الجميع، الكبير والصغير والمقمط في السرير، كما يقال، حيث تتعامل إسرائيل مع مليونين ونصف المليون انسان على انهم كلهم حماس، وهذا في رأيي، على خطئه، اقل سوءا من اعتبارهم وحوشا بشرية وفق وزير الدفاع و رئيس الدولة.

ينقلنا هذا التجويع الاجرامي المتكثف في حفنة الطحين، الى حفنة التراب، و"تدهور مكانة إسرائيل الدولية بوتيرة متسارعة" وهذا عنوان لمحرر الشؤون الاستخبارية في صحيفة "يدعوت" رونين برغمان ، ينقل فيه عن مسؤول إسرائيلي كبير حضر مؤتمر ميونخ مؤخرا قوله: "ان إسرائيل تتدهور الى الهاوية او الجرف، انت ترى طرف الجرف وتبذل جهودا كبيرة لكي تتوقف ، وتمسك بأي حجر او بكومة تراب، حتى ذرة التراب الأخيرة". إذن ذرات الطحين التي يلملمها جياع غزة كي يخرسوا تجويعهم، قادت المجوّعين الى هاوية تفصلهم عنها ذرة تراب أخيرة.
ذرات الطحين قد تنقذ الحياة، لكن ذرة التراب الأخيرة لن تمنع الدولة من السقوط في الهاوية، واسماه الكاتب على لسان المسؤول بالسقوط الحر. وتابع: اذا لم نسقط، فاننا في مؤتمر ميونخ القادم، سننظر الى الخلف ونقول اننا في هذه السنة، خطونا خطوة كبيرة الى الامام، الى هاوية الموت " .

أما "حفنة الهواء" فهي التي تنسمتها معتقلة فلسطينية تعمل صيدلانية في احدى مستشفيات غزة، نقلت الى قسم النساء في سجن الدامون، حقق معها بقسوة وإهانة، ثم يوم الافراج عنها في معبر كرم أبو سالم ، قالت: هنا تنفست الحرية، هنا شعرت بالأمان. غزة تحت النار و التجويع و الإبادة منذ خمسة أشهر، هي الحرية و هي الأمان.