البطولة والكارثة
تمكنت حركة "حماس" من نقل الموضوع والعنوان والقضية الفلسطينية إلى مكانة جديدة أكثر حيوية واهتماما من قبل الإسرائيليين والأميركيين والأوروبيين، بفعل:
1- مبادرتها الكفاحية يوم 7 أكتوبر، غير المسبوقة بالأداء والتخطيط والتنفيذ والنتائج، التي شكلت صدمة للمجتمع الإسرائيلي ولجيش المستعمرة والأجهزة الأمنية .
2- بفعل عوامل الصمود أولاً واستمرار المقاومة ثانياً وقدرتها على توجيه ضربات موجعة لجيش الاحتلال ثالثاً، وفشل المستعمرة في تحقيق أهدافها في عملية الاجتياح لقطاع غزة، بل إن الاجتياح سبب لها الرفض والامتعاض والاحتجاج.
صحيح أن الثمن كان باهظاً، بل وباهظاً جداً على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ذلك أن ردة فعل المستعمرة وأدواتها وجيشها وأجهزتها وقياداتها السياسية وفي مقدمتهم نتنياهو، كان جنونياً، متطرفاً نازياً، وغير مسبوق بإظهار الفعل وردات الفعل عبر قتل عشرات الالاف من المدنيين الفلسطينيين، وتدمير عشرات الالاف من البيوت والمساكن والمؤسسات المدنية وجعل قطاع غزة غير مؤهل للسكن والعيش السوي الطبيعي.
الثمن كان باهظاً، ولايزال مفتوحاً على المزيد من الخسائر والدمار، ولكن منذ متى كانت الحرية والاستقلال واستعادة الكرامة وطرد الاحتلال وأجهزته ومستعمريه، كان سهلاً، عقلانياً، ودوداً، ولنا أن نستحضر شعبنا الجزائري كم كان سخياً في عطائه وتضحياته، حتى أرغم الاستعمار الفرنسي الذي كان يتعامل مع الجزائر باعتبارها جزءاً من خارطة فرنسا، ومصدر زراعتهم ونبيذهم وأيدي عاملة لخدماتهم، ومكب نفاياتهم النووية، ورحلوا صاغرين مهزومين مدحورين عن أرض الجزائر وشعبها الذي فقد مليون والنصف المليون من خيرة شبابه وصباياه وقياداته.
معركة فلسطين وشعبها وأرضها ومقدساتها مازالت مفتوحة، لن تنتهي بنتائج ما أفرزته مبادرة 7 أكتوبر، فقد أضافت لنضال الشعب الفلسطيني حضوراً وصنعت ملحمة، وفرضت وعياً ويقظة، وكشفت حقيقة المستعمرة الإسرائيلية كمشروع استعماري، وسلوك نازي، عدواني، عنصري، فاشي، لا يعرف المحرمات، يفتقد للإنسانية، وهي خلاصة مهمة أمام الرأي العام العالمي، الذي كان متعاطفاً، منحازاً، مؤيداً، للمستعمرة باعتبارها مشروعا حضاريا غربيا متطورا وسط "العالم العربي الإسلامي الرجعي" المتخلف، فكانت الحصيلة أن سلوك حماس، كحركة سياسية وطنية ذات مرجعية إسلامية أكثر تحضراً وإنسانية وأخلاقاً من المشروع الأوروبي المزيف على أرض فلسطين العربية الإسلامية المسيحية التي لا تعرف العنصرية، ولا العداء للآخر، فالنضال الفلسطيني يعمل ضد الاحتلال الأجنبي الاستعماري، وليس بسبب دينه أو قوميته أو لغته أو لونه.
الجرائم التي يقترفها جيش الاحتلال، لن تمر دون مساءلة قانونية، أخلاقية، إنسانية، عبر محكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية، وعبر احتجاجات شوارع العواصم الأوروبية، ومدن الولايات الأميركية التي إجتاحها الوعي واليقظة والمعرفة، لإدراك حقيقة المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، كمشروع تحرر وحرية وخلاص من الظلم والاحتلال والعنصرية، وحقيقة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي العبري الصهيوني، باعتباره مشروع استعماري عنصري كما هو حقيقة وسلوكاً وإجراماً.
الاحتلال سبب كارثة، نكبة، مجزرة، تدمير لحياة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ولكن أهل غزة، سجلوا، كما كانوا دائماً وطوال مواجهاتهم لعدوهم الذي لا عدو لهم غيره، سجلوا نضالاً ناصعاً، بطولياً، وتضحيات سخية، وهم بذلك، يستحقون حقاً وفعلاً التضامن والتأييد والانحياز، من كافة قوى السلام والحرية والتقدم في العالم، لعلها تشكل روافع جدية تُسهم في كشف حقيقة المستعمرة بهدف أن تتحول وتكون منبوذة معزولة، إلى مزبلة التاريخ.