نقابة تبني المستقبل

عبد الرحمن الخطيب

ديسمبر 14, 2025 - 09:41
نقابة تبني المستقبل

عبد الرحمن الخطيب

كلما تقدّم الزمن، يزداد يقيني بأن قطاع تكنولوجيا المعلومات في فلسطين لم يعد مجرد اختصاص مهني، بل أصبح جزءاً من هويتنا الحديثة، ومن معركة بناء الدولة، ومن قدرة المجتمع على الصمود والتحوّل. وفي قلب هذا التحوّل تقف نقابة العلوم المعلوماتية التكنولوجية، كجسم مهني يحاول أن يرسم الطريق وسط بيئة تتغيّر بسرعة وتضغط بقوة.

إن انعقاد اجتماع الهيئة العامة للنقابة مؤخرا كان لحظة تأكيد بأن هذا القطاع يتقدّم بثبات، رغم كل الظروف المحيطة، ليس الحدث بحد ذاته هو المهم، بل ما يمثّله من دلالة على الحضور المهني المنظم، وعلى رغبة العاملين في هذا المجال بأن يكون لهم صوت ومكان ودور واضح في المستقبل الرقمي لفلسطين.

لقد شهد الاجتماع اختيار مجلس جديد للنقابة، وهو انتقال طبيعي في دورة الحياة التنظيمية، لكنه بالنسبة لي يحمل معنى أعمق: معنى المسؤولية المشتركة تجاه مهنة تحتاج دائمًا إلى من يدافع عنها، ويرتب أولوياتها، ويساعدها على اتخاذ موقعها الحقيقي في الاقتصاد الوطني، ونيل ثقة الهيئة العامة واخياري نائبا للنقيب هو تكليف أقدّره، لأنه يعكس حجم التوقعات التي يحملها الزملاء، وحجم الإيمان بأن النقابة يمكن أن تكون قوة داعمة لكل العاملين في القطاع.

قطاع تكنولوجيا المعلومات في فلسطين يعيش اليوم بين طموح كبير وواقع صعب، لدينا خبرات بشرية قادرة على المنافسة في أي مكان، ولدينا مؤسسات تشقّ طريقها بثبات، ولدينا حضور متزايد في مجالات الذكاء الاصطناعي والبرمجة والأمن السيبراني، ولكن هذه القوة تحتاج إلى إطار يحميها، ويوجهها، ويضمن أن تكون بيئة العمل عادلة، وأن تبقى المهنة مصدر أمان واستقرار للعاملين فيها.

النقابة هنا ليست مجرد إطار إداري؛ هي منصة لحماية المهنة، ولتمثيل أصحابها، ولتعزيز المعايير المهنية، وللتواصل مع مؤسسات التعليم والقطاعين العام والخاص. عندما تعمل النقابة بفاعلية، فإن أثرها لا يظهر فقط في تنظيم المهنة، بل في رفع مستوى القطاع كله، وفي خلق ثقافة مهنية تقوم على الالتزام والمسؤولية والاحترام المتبادل.

ما ينتظرنا في المرحلة المقبلة ليس بسيطاً. التطور العالمي المتسارع يضعنا أمام تحديات جديدة كل يوم: تحولات سوق العمل، الذكاء الاصطناعي، المنافسة الإقليمية، الهجرة المهنية، وفجوة المهارات بين ما تنتجه الجامعات وما يتطلبه السوق، هذه التحديات تتطلب رؤية واضحة، وعملاً هادئاً ومنتظماً، وتعاوناً بين كل الجهات المعنية.

أؤمن أن النقابة يمكن أن تلعب دوراً محورياً في سد هذه الفجوات، من خلال بناء جسور مع الجامعات لتطوير التخصصات والبحث العلمي، وتعزيز البيئة القانونية للعاملين في القطاع، وتوفير مبادرات دعم للمهنيين الشباب، وتنظيم سوق التدريب والشهادات المهنية، وخلق حالة من الوعي حول أخلاقيات المهنة ومسؤولياتها.

إن وجود مجلس جديد هو بداية لمرحلة عمل، لا خاتمة لمرحلة سابقة، ما نحتاجه اليوم هو أن نترجم طموحاتنا إلى خطوات عملية: مبادرات حقيقية، لوائح واضحة، ومساحات تفاعلية تضمن أن يشعر كل عضو بأن النقابة بيت له، ومساحة يُسمع فيها صوته.

ثقتي كبيرة بأن القطاع قادر على النمو، وأن النقابة قادرة على أن تكون جزءا أصيلا من هذا النمو، وما علينا إلا أن نعمل بصمت حين يلزم، وبصوت عال حين يجب، وأن نضع مصلحة المهنة فوق كل اعتبار.

إن مستقبل فلسطين الرقمي لا يُبنى بالصدفة، بل بالعمل المنظم، وبالطاقة البشرية التي أثبتت دائمًا أنها قادرة على تجاوز كل القيود.

أمّا مجلس النقابة فملتزمون بأن نكون جزءا من هذا المستقبل، وأن نعمل لكل من وضع ثقته فينا، ولكل من يرى في التكنولوجيا طريقا لبناء وطن أقوى وأكثر قدرة على مواجهة التحديات.

هذا هو دور النقابة كما يجب أن يكون، وهذا هو الطريق الذي سنمضي إليه بثبات.