د / محمود عبَاس ٠٠ محَطّاتٌ تًاريِخيَة مَرَّت بِهَا القضِيَّة الفلسطينيَة
( خطاب العقل وخريف الخطاب ‐ من الصراخ إلى الحكمة)٠
د / محمود عبَاس ٠٠
محَطّاتٌ تًاريِخيَة مَرَّت بِهَا
القضِيَّة الفلسطينيَة
( خطاب العقل وخريف الخطاب ‐ من الصراخ إلى الحكمة)٠
سليم النجار ٠٠
لا يفسر هزالة الخطاب العربي السياسي اتجاه القضية الفلسطينية بأكثر،ما ذكره نعوم تشونسكي عندما قال في احد كتبه " إن م ت ف " تمثل العقل والخطاب المنطقي الذي يتقبله الرأي العام الأمريكي ومن خلفه الرأي العام الغربي٠
هذا الأستهلال أردت أذكر بأهمية الخطاب في واقع حياتنا أولاً، وثانياً بأن الخطاب في مختلف نواحي حياتنا الأحتماعية والسياسية والثقافية الفلسطينية " والأعلامية" يكون في اغلب الأحيان امتداداً لما تصنعه اللغة السياسية المتطرفة على يد كتّاب يجهلون التاريخ والجغرافيا السياسية٠
هل لنا في هذا السياق أن نفترض أن ضعف الخطاب في واقعنا المعاش الفلسطيني يرتبط بطريقة أو بأخرى بهشاشته في النقد السياسي والثقافي والنظرية التي تؤسس عادة لرؤية أعمق أثراً من الواقع المألوف قبل أن ترتحل إلى هذا الواقع؟
وبما أن التغيير والتحول قد اصبحا من الخصائص المميزة للخطاب السياسي الفلسطيني، فليس من المستغرب أن يكون كتاب الرئيس الفلسطيني د/ محمود عباس ( محطاتٌ تاريخية مَرَت بها القضيَّة الفلسطينية) الصادر عن دار الشروق - عمّان - عام ٢٠٢٤ ، خطاب عقلاني يحاكي نظام عالمي جديد سريع التغير والتبدل، بالمعنى الحرفي للكلمة، وهذا ليس بجديد أن تقرأ خطاباً جديدًا ونقديًا، خاصة عندما تشاهد التطورات سريعة التبدل والتغير، والتاريخ حافل بهذه الشواهد، وعلينا التذكر في فترة كولومبس وماجلان عندما قام التجار وقادة الحملات الوافدة من " العالم القديم" في أرواسيا وإفريقيا باكتشاف ما يسمى " العالم الجديد" في نصف الكرة الغربي، وغزوه٠ وعندما تم التوازن حول الأرض بحراً، وعلى مدى أربعة قرون ونصف القرن منذئذ، هيمنت على التاريخ تطورات اقتصادية وسياسية وثقافية وفكرية نابعة من أوروبا، التي لعبت دورًا رئيس في دعم قيام إسرائيل٠
ومرابط هذا القيام التغلغل الاقتصادي والغزو السياسي اللذان مارستهما حفنة من الدول الغربية، خدمة لمصالحها٠
وحيث هذا الكتاب يقدم محطات مرت بها القضية الفلسطينية لابد من ذكر ما تم سرده قبل قليل، خاصة أن الكتاب يقدم رؤية نقدية بعيدًا عن الصراخ السياسي والثرثرة المجانية، ويستقرأ التاريخ المعاصر الذي لعب دورًا هامًا في إنشاء إسرائيل إذ يذكر الرئيس الفلسطيني ( في العام ١٨٥٥، بعد انشاء القنصلية الأمريكية في القدس بعدة سنوات، قرّر القنصل، بتعليمات من الحكومة الأمريكية، أن يستوعب اليهود حول حائط المبكى ليبني لهم بيوتاً أو مستعمرات في فلسطين ص٢٥)٠
لذا يتناول هذا الكتاب عن المسكوت عنه في واقعنا الفلسطيني المعاش الذي يعاني من خلل اجتماعي وسياسي، نتج عنه غياب المعرفة ورح النقد، منذ فترات تاريخية طويلة كما يتجلى في قول عباس( وفي لبنان كان عندنا اتفاق مع إميل البستاني قائد الجيش اللبناني لنكون في الجنوب، وتمددنا أكثر مما يجب، وصار العدوان على بيروت والاحتلال٠ وذهبنا إلى تونس، وبصراحة صمد إخواننا ٧٨ يوماً وهم يحاربون في بيروت، وما كان بالإمكان أن نطلب أكثر، ولكن كان من المقرّر أن نرحل ونكون تحت القبضة، ولكي نخرج عن هذه القبضة، قرّرنا أن نذهب لتونس ص٤٢‐ ٤٣)٠
على أن هذا الاستلهام النقدي للدكتور محمود عباس، قد ساهم ‐ بشكل أو بآخر ‐ في تأصيل خطاب نقدي سياسي فلسطيني وتجذر رؤية حضارية عربية فلسطينية بعيدًا عن التشنج السياسي في محيطنا العربي، وقد ساهم بشكل فاعل في رصد قضايا الواقع المعاش الفلسطيني ، أملاً في تغيير المسّلمات الاحتماعية والسياسية التي تعاني منها شعوبنا العربية مثلما تجسد في النص الآتي( ويقول الشقيري : لقد رفضت ذلك لأنني لا يمكن أن اخرج للصحافة وأخدعهم بكلام لم يحصل في الوقت الذي كان فيه العرب يتحدثون عن موقف خياني للشعب الفلسطيني، فهل من المعقول أن أشارك أنا الفلسطيني في هذه الخيانة؟ ثم قال: " هذا نموذج لما يحدث في الغرف السوداء ص ٨١)٠
من أكثر الكتّاب اهتماماً بالذاكرة، في الأدب العالمي، مارسيل بروست٠ ففي سباغته " البحث عن الزمن المفقود" يعالج فنياً مسألة الذاكرة ويعود إليها في مناسبات كثيرة٠ صحيح أن بروست لم يتكلم عن الذاكرة من الناحية الفلسفية، لكن يمكننا القول أن الجرأة التي تحدث فيها عن تقاطعات كثيرة بين الذاكرة التي عالجها المفكرون والعلماء٠ وتبقى الذاكرة الهاجس الأساسي عند بروست، كما هي المقولة الرئيسية التي شكلت نقطة البداية ونقطة النهاية عند الكاتب د/ محمود عباس يقول في فصل " محطات تاريخية مرّت بها القضية الفلسطينية" ٠١ ٩٠٠ : تهوُد مملكة الخزر، و ١٠٠٠م انهيارها وقد تهودًّت بالكامل:
للخلاص من التجاذبات والحروب بين المسلمين والبيزننطيين، اعتنق حكاّم وشعب مملكة الخزر، الديانة اليهودية في نهاية القرن التاسع وبداية العاشر، وانهارت هذه المملكة على يد الروس الكييفين في ١١٠٠م ميلادية، وانتشر بعدها اليهود الخزر في الإمبراطورية الروسية واوروبا الشرقية لشكلوا الأشكنازية( اليهود الأشكناز)٠ كييف كانت عاصمة روسيا قبل موسكو ص٥٩)٠
هذا السرد التاريخي يكشف لنا مدى أهمية معرفة من احتل لرضك وشردك في صقاع الدنيا، بدلاً من الصراخ والنباح السياسي، الذى أدى إلى هرطقة سياسية سادت في اوساطنا السياسية الفلسطينية، اذ،يذكر الرئيس الفلسطيني( تشير الدراسات إلى انَّ رودولف كاستتر قد اتفق مع النازيين " أيخمان" للسماح لهجرة حوالي ٢٠٠٠ من اليهود المجرمين بنقلهم إلى فلسطين مقابل تسليم حوالي مليون يهودي مجري للنازيين ص٨٢)٠
والحقيقة أن هذا الوصف القاسي لدور الحركة الصهيونية في قتل اليهود، خير دليل على تنكيل الزمن بالإنسان اي كانت هويته، لكن الذي قام بالتنكيل هو الهوس السياسي، والخزعبلات التي آمن بها بعض المهوسين من اليهود٠
ونواصل الرئيس الفلسطيني في الكشف عن دور م ت ف في تهدئة الأوضاع والأزمات التي كانت تحصل في عالمنا العربي، تارة بإسم الحق التاريخي، وتارة أخرى الخلاف الاقتصادي د، كما حدث في أزمة الكويت العراق، التي شكلت منعطفاً تاريخياً في عالمنا العربي ويقول الرئيس الفلسطيني في هذا الشأن( عُرف أيضا بالغزو العراقي للكويت، جاء ذلك بعد انتهاء حرب الخليج الأولى عام ١٩٨٨ ، وبدء خلافات بين العراق والكويت على آبار النفط في المناطق الحدودية، وفي ٢/ ١٩٩٠ م احتاحت القوات العراقية الكويت٠ اتَّهمت الكويت حينها منظمة التحرير، برئاسة الرئيس ياسر عرفات، بالانحياز إلى العراق، وتم طرد الفلسطنيين من الكويت وعدد من دول الخليج بعظ عودة القيادة الكوتية للكويت٠
في عام ١٩٧٢ م حدثت قصة مشابهة وهي أزمة الصامتة وهي تشبه أزمة ١٩٩٠ ولكنها حُلت بصمت، ونحن " ابومازن" من شارك في حلّها ص٩٦)٠
واستطيع القول ما قاله بورخيس في ديوانه الشعري،عنوانه " مديح الظلام " جاء فيه :
" ٠٠٠ ما أكثر الأشياء
التي استطيع الآن أن انساها"٠
غير أن كتاب الرئيس الفلسطيني د / محمود عباس أعاد للذاكرة وهجها وألقها عبر المحطات التي مرّت بها قضيتنا الوطنية٠



