حبيبتي في غزة : هل انتهت الحرب؟

عيسى قراقع

نوفمبر 6, 2025 - 08:43
حبيبتي في غزة : هل انتهت الحرب؟

حبيبتي في غزة : هل انتهت الحرب؟
عيسى قراقع


حبيبتي في غزة :
أكتب إليكِ لا برسالة، بل بارتجافٍ بين يدي الوجود،
أسأل الريح عنكِ،
فتردّ بأنينٍ يشبه صلاة الأرض حين تتعب من الدم.
هل انتهت الحرب؟
أم أنّها فقط غيّرت شكلها،
وارتدت ثوب الصمت لتواصل القتال داخل الروح؟

يا امرأةً تزرع الورد في مقبرة النهار،
يا من تجعلين من الحجارة وسادةً للأطفال،
ومن الغبار خبزًا،
ومن الخوف موسيقى تعزفها على نبضكِ المرهق.

هل انتهت الحرب،
أم أنّها ما زالت تقيم في الذاكرة،
تفتح أبوابها كلّما مرّ اسم شهيدٍ على الشفاه؟
هل صارت السماء زرقاء حقًّا،
أم أنّها مجرّد قماشٍ رماديّ يغطي الجرح كي لا نراه؟

حبيبتي:
أخشى أن تكون الحرب قد غادرت الشاشات،
لكنّها ما زالت في العيون،
في نوم الأطفال المتقطّع،
في ارتجاف الأمهات حين يسمعن صوت الطائرة البعيدة.

أخاف أن يكون السلامُ عندهم مجرّد هدنةٍ بين غارتين،
بين وعدين، بين كذبتين،
وأن يكون الفرح عندنا مجرّد استراحةٍ من البكاء.

لكنّكِ يا حبيبتي،
تعلمين أكثر منّي:
أنّ الحرب لا تنتهي بالاتفاقيات،
بل حين يعود الإنسان إلى إنسانيته،
حين نغلق الجرح بالعدالة لا بالتراب،
وحين يصبح البيت الذي يُبنى
أوسع من ساحة الموت
وأصدق من السياسة.

ها فتحوا الطرق ياحبيبتي؟
ونامت الدبابات اخيرا،
وتحول صداها الى اغنية في ذاكرة الغيم،
هل صار بالإمكان أن اراك،
دون أن اعد الحواجز بيننا،
كايام من رصاص طويل؟
اشتقت لك،
اشتقت لوجهك حين يختلط الضوء برائحة الخبز،
اشتقت لصوتك وهو يقول: 
ابق، لا تذهب،
في زمن لا يبقى فيه شيئ.

حبيبتي في غزة:
إن انتهت الحرب كما يقولون،
فاحكي لي:
هل عادت الطيور إلى البحر؟
هل عادت رائحة القهوة إلى البيوت؟
هل عثرت الأجساد على بقاياها تحت الانقاض؟
هل نامت الشوارع دون أن تحلم بالقصف؟
هل ابتسمت المآذن للأجراس،
وصافحت الكنائس المآذن دون خوف؟

حبيبتي افتحي النافذة وتأكدي
أن لا صاروخ في السماء،
ولا نيران تحرق قصائدي،
وان فارس احلامك لم يتحول الى اشلاء،
تأكدي أن الغزاة لم يستبدلوا  ملابسهم بوصاية امريكية جديدة،
ترتدي ربطة عنق وتتكلم بلغة عربية.

حبيبتي: هل انتهت الحرب؟
ام بداوا يغسلون الإبادة بالدبلوماسية،
صار الدم ينقي في مشاريع التطوير،
وتقاس الأرواح بنسبة الفائدة.

حبيبتي كنت تقولين:
 سنزرع الورد على الشرفات حين تهدأ المدافع،
فهل هدات؟ 
هل عادت الشوارع إلى اسمائها؟ 
  والباعة يصرخون في الاسواق،
ام صاروا أرقاما في ذاكرة الاسفلت؟

يا حبيبتي:
كلما سمعت بابا يغلق في الليل،
ظننت أنهم اعتقلوك،
وكلما صمت البحر،
قلت في سري: أعدموا حبيبتي في العتمة،
رسائلي اليك من القدس صارت تهمة،
كنت ابحث عنك بين الحديد،
وازرع قلبي على الاسلاك،
فالحب هو اقوى أشكال الحرية.

سافرت إلى القاهرة،
سالت عنك الاسرى المحررين،
وجدت أن هدوء الرصاص لم يهدأ على أجسادهم الذابلة،
الهدوء في لغة الاسرى هو فراغ الصرخة حين تخنق في الحنجرة،
وشعرت أن الاسرى يخوضون حربا صامتة،
وكل اسير يبحث في أحلامه الصغيرة عن حبيبة.

إن انتهت الحرب يا حبيبتي،
فامنحيني يقينًا صغيرًا،
كطفلٍ يضحك للمرة الأولى بعد عامين من الرماد،
وامنحيني صمتكِ لأفهم
أنّ النور حين يأتي من غزة،
يُشبه القيامة،
لا السلام.

حبيبتي:
اكتب اليك من وراء المسافات،
من زمن صار فيه الكلام رمادا، والنجوم تائهة،
اكتب من جغرافيا جسدي الممزقة، لافهم معك كيف يمكن للروح أن تظل واقفة؟
 ولاني احبك، دعينا إذا لا نطلب نسيان الالم،
بل تحويله الى نار تضيئ من يأتي بعدنا،
والى أغنية.