للتنبيه فقط!
صبري صيدم
صبري صيدم
شهد العالم قبل عشر سنوات من اليوم ولادة شركةً مهمةً باتت اليوم، ومع تنامي الاهتمام البشري بالذكاء الاصطناعي، نزيلة معظم البيوت في عالمنا، ولتتحول من طفرة تقنية إلى أداة يومية يستعملها مئات الملايين من البشر. ولعل حميمية الالتصاق الآدمي بها على مستوى المشتركين، المسددين رسومَ الاشتراك تحديداً، قد حفّزتني شخصياً لدراسة هذه الطفرة، وسبب إصرار كثيرين من أولئك المشتركين على أنّ ما يوفره هذا الاشتراك قد يغنيهم عن الحاجة للاختلاط المجتمعي، أو قضاء الوقت مع الأسرة والأصدقاء.
نعم، إنها شركة الذكاء الاصطناعي المفتوح المعروفة بـ OpenAI التي ولدت عام 2015، وقدمت أول إصداراتها عام 2018، وإصداراً آخر تحت مسمى تشات جي بي تي (ChatGPT) عام 2022، ولتصبح تدريجياً محط اهتمام متصاعد من البشر، وصولاً إلى تجاوز حاجز المليار مستخدم مع نهاية العام الماضي حسب بعض المصادر.
لكن هذا الظهور المتدرج والاتساع الملحوظ قد جلبا للشركة، كما كان متوقعاً، العديد من التكهنات والتساؤلات، وصولاً إلى التشكيك بمصادر المعلومات التي تغذي قواعد بيانات هذه التقنية، خاصة عبر الإدعاء بأن تجاوزها لحاجز المئة مليون من المُدخلات البيانية منذ فترة تطورها ليس بالأمر الطبيعي خلال فترة زمنية قصيرة، وهو ما قاد نحو الإدعاء بكون الشركة قد اعتمدت على جهات عسكرية واستخبارية في وصولها إلى البيانات. أمرٌ كهذا كان الأكثر إثارة في هذا المضمار، وهو ما دفعني شخصياً إلى إجراء بحثٍ أوليّ بهذا الاتجاه، خاصة لكثافة الإدعاءات التي صاحبت حرب إسرائيل على فلسطين وبصورة أكثر شراسة وفداحة في غزة، واستخدام دولة الاحتلال تقنيات الذكاء الاصطناعي في حربها الجنونية.
تقول المصادر على تنوعها إن الشركة الأم لم تلجأ لأي شركة عسكرية في مسعاها لإثراء بياناتها، كما أن برنامجها الأساس (تشات جي بي تي) لم يصمم وبشكل رئيسي للاستخدام العسكري في البداية، لكن استخدام روبوتات المحادثة قد دفع الشركة نحو تبديل استراتيجيتها عبر الشروع العلني بالعمل مع مؤسسات عسكرية، حيث شرع مؤسسها سام ألتمان بتوقيع عقود كبيرة مع عدة جهات، وذلك بعد أن أوقف، وفق عدة مصادر، العمل بسياسة الشركة القاضية بالحظر الصريح للتطبيقات "العسكرية والحربية"، وهو ما تمت إزالته وبهدوء مطلع العام 2024.
ومنذ تغيير سياستها هذه، اتخذت الشركة الأم خطوات واضحة نحو تعزيز التعاون العسكري والحكومي عبر توقيع اتفاقيات عدة، من أبرزها اتفاقية تعاون مع شركة أندوريل للتصنيع عام 2024 المتخصصة بتطوير دفاعات الجيش الأمريكي، وتوقيع عقد موسع مع الحكومة الأمريكية في حزيران من هذا العام لتوفير ما سُمّي "الخدمات الحكومية المناطقية والفيدرالية لأمريكا".
يضاف إلى ذلك العقد الكبير مع وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون في حزيران من هذا العام أيضاً، وذلك لتطوير ما قيل إنه "نماذج أولية لقدرات الذكاء الاصطناعي المتقدمة" لكلٍّ من "مجالات القتال والمشاريع العسكرية المتعددة". وقد عُزز هذا الاتفاق بتوقيع عقود إضافية مع ذات الجهة في تموز الماضي إلى جانب عدد من كبريات الشركات، وبقيمة تصل إلى 200 مليون دولار.
هكذا عقود على طبيعتها، لا تبين إذا ما كان هناك تعاقدات من الباطن مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وغيرها، كما أنها حتماً لا توفر دليلاً كافياً على انتهاك خصوصيات المستخدمين جميعاً. ومع ذلك، فإن تغييراً كهذا في استراتيجيات الشركة وطبيعة تحالفاتها المذكورة لا يوفر الطمأنينة المطلوبة للمستخدمين، ولا القناعة الواضحة بعدم بيع بياناتهم لوكالات استخبارية عالمية.
ومع غياب الجزم الواضح، فإن تلك التحالفات إنما تضع الشركة، دون أدنى شك، تحت مجهر المستخدمين. لهذا كتبتُ هذا المقال للتنبيه فقط.. للحديث بقية!





