عصر التحالفات أم أوهام الاصطفاف المؤقت؟ قراءة في التحركات العربية-الإسلامية لردع إسرائيل
جمال العبادي : باحث في العلاقات الولية

عصر التحالفات أم أوهام الاصطفاف المؤقت؟
قراءة في التحركات العربية-الإسلامية لردع إسرائيل
جمال العبادي
باحث في العلاقات الولية
تشير التطورات الأخيرة في المنطقة العربية والإسلامية إلى تغييرات جيوسياسية محتملة قد تؤدي إلى إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية لمواجهة إسرائيل وسياساتها التوسعية. فالتقارب السعودي–الباكستاني، المناورات العسكرية المصرية–التركية، والتقارب السعودي–الإيراني الذي تم رصده في تصريحات غير مسبوقة من قيادة حزب الله بدعوة إلى الانفتاح على الرياض، تعكس ديناميكية جديدة في في العلاقات العربية-الاسلامية.
هذا الحراك بدأ يكتسب زخماً مضاعفاً بعد العدوان الاسرائيلي الاخير على قطر، والتصريحات الداعية لتشكيل قوة ردع عربية-اسلامية قادرة على ردع سياسات اسرائيل. على هذا النحو، جاء اعلان توقيع اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك بين الرياض واسلام اباد. والتي يُنظر اليها بإعتبارها نواة تتشكل نحو جذب مزيد من الاطراف العربية والاسلامية لتشكيل جبهة واحدة لمواجهة التحديات التي تفرضها سياسة اليمين المتطرف في اسرائيل ليس فقط على القضية الفلسطينية، بل امتدت لتشمل مهاجمة العواصم العربية؛ في سياق ما يجري اعلانه والتحضير له بما يسمى "إسرائيل الكبرى".
اعلان الدفاع المشترك الموقع بين العربية السعودية وباكستان يعطي مؤشرات على جدية توطيد العلاقات الدفاعية ويعكس رغبة مشتركة في بناء شراكة استراتيجية تمتد من الخليج إلى جنوب آسيا، للحفاظ على المصالح العربية. من ناحية، ربما يكون هذا التحالف بادئة خير على الامة العربية والاسلامية، فالمناورات العسكرية التي نظمتها القوات المسلحة التركية بالاشتراك مع القوات المسلحة المصرية، تعكس براغماتية جديدة ورغبة في إعادة تعريف أولويات الأمن القومي العربي والاسلامي بعيدًا عن الخلافات الأيديولوجية وتساعد في إذابة حالة عدم الثقة السائدة بين دول المنطقة. من ناحية اخرى، فإن استئناف الحوار والاتصالات السياسية بين كل من مصر وإيران لم تكن متوقعة لولا إدراك القادة من الطرفين أن إسرائيل اصبحت تمثل تهديدًا مشتركًا يتجاوز طل انواع الخلافات بما فيها الطائفية والمذهبية التي ساعدت السياسات السامة على ترسيخها بين شعوب المنطقة.
ضمن هذا السياق، فإن بعض او كل هذه المؤشرات توحي بوجود إدراك متزايد لدى القوى الإقليمية أن مواجهة التفلت الإسرائيلي تتطلب تعاونًا أبعد من التنسيق الدبلوماسي التقليدي. ومع ذلك، فإن الجهود المضادة التي تعمل باتجاه معاكس لن تترك هذا التقارب يمر مرو الكرام، وستبدأ مبكراً بزرع الالغام في الطريق، واستدعاء اسباب غياب الوحدة العربية والاسلامية منذ عقود، منها على سبيل المثال:
1. سيادة حالة عدم الثقة: فالتراكمات التاريخية لأشكال الصراعات والتدخلات في الشأن الداخلي بين الدول العربية والإسلامية يجعل من العسير على بعض الدول او مراكز صنع القرار فيها تجاوز الحساسية المفرطة بين الاطراف. وبالتالي المطلوب ردم الفجوة القائمة بين الدول وإعادة ترتيب الاوراق وفق المصلحة العامة، وان يسود التنافس بين الدول بما يخدم الامن القومي العربي حصراً.
2. تباين الأولويات: من المفترض ان القضية الفلسطينية هي القضية المركزية التي تجمع اعضاء الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي؛ بعبارة اخرى، فإن الوضع الطبيعي ان تكون فلسطين مركز اهتمام الــ 57 دولة عربية واسلامية. وعندما تكون النوايا صادقة في هذا الاتجاه فإن التباينات في بعض المواقف او الاولويات من المفترض ان لا تسود على المشهد العام. وان يكون العمل على فرض الامن والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط حزمة واحدة غير قابل للتجزئة. على قاعدة مصالح الواحد للجميع، ومصالح الجميع ومقدراتهم لواحد. عند هذه النقطة، تستطيع الدول العربية والاسلامية ايجاد ارضية مشتركة تحافظ فيها على مصالحها وتعزز من حضورها على الساحة الدولية.
3. تباين المصالح الدولية: حالة القلق المتوقعة ان تسود في اوساط ساسة واشنطن والنخب الغربية من التقارب العربي-الاسلامي، لا تثير كثير من الاعجاب، وخاصة في واشنطن على اعتبار ان ذلك اشارات واضحة للاستغناء عن الدور الامريكي في المنطقة، واسناد مهام الامن الى مرجعيات وطنية. وربما ينسحب هذا الموقف على حلفاء واشنطن في بروكسل. على الرغم من عدم صدور مواقف رسمية حتى هذه اللحظة من الاتفاق السعودي الباكستاني على وجه التحديد.
4. التصادم مع قطار التطبيع: التقارب العربي-الاسلامي وتفعيل المظلة النووية الباكستانية في سماء الرياض، وربما دول اخرى ستنضم لهذا الاتفاق لاحقاً، ستبطئ حتماً من مخططات ترامب وما يسميه السلام الابراهيمي ومسارات التطبيع مع اسرائيل، خاصة بعد الهجوم الاسرائيلي على الدوحة.
تتمتع المملكة العربية السعودية بمقومات استراتيجية واقتصادية ودينية تجعلها في موقع ريادي لقيادة جهود الوحدة العربية. هذه المقومات تشمل قوة اقتصادها ومكانتها الدينية التي تجعلها محط أنظار أكثر من 2.5 مليار مسلم حول العالم، مما يمنحها شرعية عابرة للقارات. بالإضافة إلى ذلك، تمتلك المملكة شبكة علاقات دولية متينة مع القوى العالمية الكبرى مثل الولايات المتحدة، الصين وروسيا، مما يعزز قدرتها على إدارة التوازنات الإقليمية والدولية. ومع ذلك، لتحقيق الأهداف المنشودة وترجمة الطموحات إلى واقع ملموس، يتطلب الأمر إظهار مرونة دبلوماسية وتبني قيادة حكيمة ابوية قادرة على معالجة الملفات العالقة مع دول المنطقة، مثل إيران، تركيا واليمن، بطرق سلمية ودبلوماسية. هذه الخطوات ستكون بمثابة حجر الأساس لتعزيز الوحدة العربية وتحقيق تطلعات شعوب المنطقة.
تشير التحركات الجارية في منطقة الشرق الأوسط إلى مرحلة جديدة من التغيرات الجيوسياسية التي قد تؤدي إلى إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية. هناك خياران رئيسيان أمام الدول العربية والإسلامية: إما أن تسعى لتجاوز الخلافات الداخلية وتبني موقف جماعي قوي يوازي التحديات التي تفرضها إسرائيل، أو أن تظل هذه التحركات مجرد مبادرات مؤقتة تفتقر إلى العمق الاستراتيجي، مما يجعلها عرضة للتلاشي تحت وطأة الضغوط الدولية والخلافات الداخلية. في هذا السياق، تلعب المملكة العربية السعودية دورًا مركزيًا في صياغة المشهد الإقليمي وهي بحاجة الى اسناد عربي واسلامي، بالمقابل، ستستمر واشنطن في ممارسة تأثيرها كعامل رئيسي لإفشال اية تحركات وحدوية. أما إسرائيل، فمن المتوقع أن تكون الفائز الحقيقي إذا فشل العرب والمسلمون في وضع خطة متكاملة تجمع بين الردع الأمني والتنمية الاقتصادية والتعاون المتبادل.