القائد الممتاز بكر أبو بكر يكتب ذاته
محمد قاروط أبو رحمه

القائد الممتاز
بكر أبو بكر يكتب ذاته
محمد قاروط أبو رحمه
(الملخص: القائد الممتاز بين الفلسفة والتجريد وأنماط التفكير ومظاهر الإدراك والأخلاق القيادية)
لا أعرف هل يصعب الكتابة عما يكتبه بكر، أم هو مناضل صعب بالانضباط لما يؤمن به. لا تناقش بكر أو تجادله. حاوره وقدم له مساحة لمراجعة حوارك.
حاورته بمقالات عن كتبه: الوتر المشدود، وطريق مغلق، وفن الخطابة، في العقل الحر والتفكير ومنهج العمل التنظيمي. وكتب أخرى.
الحوار تبادل وجهات النظر عن الرأي أو المفاهيم حول أمر ما، لكن كلها في سبيل الله وفلسطين، الناس، والأرض، والهوية، والأهداف.
هذا الحوار يأخذ شكل آخر، إنه عن كتابه الجديد، (القائد الممتاز بين ثقة الآخرين والالهام)، انه عن الفلسفة والتجريد والتعميم وأنماط التفكير ومظاهر الإدراك والأخلاق القيادية في كتابه الجديد.
في هذا الكتاب يقدّم بكر أبو بكر تصورًا إنسانيًا متكاملًا للقائد الذي لا يُقاس فقط بكفاءته الإدارية، بل بقدرته على التأثير والإلهام، والتواضع، والصدق، والقدوة. إن هذه القراءة تسعى لإبراز الجوانب المعرفية والفلسفية في الكتاب، وتسليط الضوء على مظاهر التجريد والتعميم، وطرق التفكير، ومظاهر الإدراك والأخلاق، مع أمثلة ومواضعها في النص.
يظهر بكر فلسفته للقيادية في الصفحات (5، 11، 45)، رؤية فلسفية تقدم القيادة كحاجة إنسانية ضرورية، ولأنها حاجة ضرورية للإنسان، فإنها يجب ان تكون قيادة إنسانية، وهذا التعريف يقدم القائد على أنه فرد من جماعة وينتمي لها، ويتقدم الصفوف ليخدمها، وليس كصاحب سلطة يتسلط عليها.
ففي (ص5) يكتب (لا يوجد قائد دون جماعة… القائد إذًا فرد من جماعة، وليس فوقها). وهذا النص يعبّر عن فلسفة القيادة التشاركية، وهي مناقضة للفكر التسلطي الذي يرى القائد معزولًا أو خارقًا.
ويظهر التفكير الفلسفي عندما يقارن بين القادة التاريخيين من منظور أخلاقي، (ستالين وهتلر قادة… ولكننا لا نضعهم في زمرة القادة الجيدين من الزاوية الأخلاقية).
أما التجريد فيظهر في الصفحات (7، 9، 12)، حيث يحول الصفات الحسية إلى مفاهيم رمزية أوسع، مثل تحويل (الصوت إلى: رمز للتأثير)، أو (الثقة: إلى مرآة للروح). ففي صفحة (9) يكتب أن (الثقةُ قرينُ الإيمان، فهي ليست حالة شعورية فقط، بل التزام روحي). يُجرد بكر مفهوم (الثقة) من سياقه الإداري إلى بُعد فلسفي وروحي عام، أو بتعبير آخر، يجرّد الثقة من بعدها الشخصي إلى مبدأ روحي ووجودي.
ولان التجريد والتعميم يعملان معا فان الأستاذ بكر عمد إلى تعميم الخبرات الشخصية والنقدية إلى قوانين عامة تصلح لأي قائد، وهذا كان واضحا في الصفحات (15، 22، 35)، وفي صفحة (15) كتب (القادة الذين لا يصغون ولا يفتحون نوافذ الحوار، يجنون عزلة تُسقطهم). وهذه العبارة الناقدة لحالة قيادية خاصة، تعمم كقاعدة تنطبق على أي سياق قيادي.
كتب عن جرح نازف خبرناه سويا في مسيرة طويلة، (حين تكون في قمة العطاء ولا تحتاج إلا إلى قليل من الشكر… فتتبخر هذه الأمنيات حين اللقاء مع القائد).
وهذا تعميم لحالة شعورية حقيقية يعيشها الكثيرون في العمل المؤسسي، وتحويلها إلى ضرورة قيادية.
وأنماط التفكير، مثل التفكير الناقد، والإبداعي، والمعرفي، تظهر على الصفحات (13، 20، 37، 46). ففي التفكير الناقد (القائد المزيف من يتحدث كثيرًا ولا يصغي) (ص13)، وهو بذلك يقدم بكر للقارئ أداة تمييز للنقد في كشف القادة المزيفين.
أما نمط التفكير الإبداعي فيظهر في اقتراحه البحث عن أدوات غير تقليدية للتأثير، كأن يعلّق القائد عبارات إيجابية في مكتبه (ص20). او (ألصق على شاشة حاسوبك أو مفكرتك عبارات مشجعة… واستخدم هاتفك النقال للتفاؤل)
والتفكير المعرفي الذي يستخدم التحليل يكتب، (في تحليل العلاقة بين الشعور الداخلي والتعبير القيادي) (ص46)، وهذه دعوة أيضا للتفكير التأملي ومراقبة انعكاس الشعور الداخلي على السلوك القيادة.
ويظهر الإدراك على الصفحات (24، 27، 39)، بمسارين، الادراك الوجداني والادراك السلوكي في فهم القائد لمشاعر جماعته واحتياجاتهم المعنوية والنفسية. في صفحة (27) يكتب (الثناء العلني وقول (شكرًا) كلمة تغيّر الموقف وتُحيي النفوس). وهذا إدراك دقيق لأثر الكلمة البسيطة على فعالية الفريق. ويقدم الإصغاء كأحد أدوات بناء الثقة حيث يكتب (إن القائد الممتاز هو قائدٌ حَسَن التواصل… يضع كل نظره ويركز أسماعه).
يستخدم الأستاذ والصديق بكر أبوبكر أدوات معرفية لتعزيز القياد، مثل تكرار التأكيدات الداعمة والإيجابية (ص36)، وتعزيز التفاؤل والثقة بالذات ضد السلبية (ص34).
الأخ بكر كشخص أخلاقي أولًا، وكقائد وكاتب ومفكّر يعتبر الأخلاق طريقة للتمييز بين انسان وانسان، وطريقة يختبر بها الانسان لإظهار مدى انسانيته فان الأخلاق في القيادة تظهر بوضوح في الصفحات (10، 28، 41)، حيث يرتكز على ما يؤمن به، أن القيادة لا تنفصل عن القيم الأخلاقية. ويقدم الصدق، (الصدق صلاح كل شيء، والكذب فساد كل شيء) (ص28). والتواضع، (لو جاءك الحق على لسان أجهل الناس فاقبله) (ص41)
وأخيرا:
كتاب القائد الممتاز توثيق لما يؤمن به الأخ بكرأبوبكر، وهو ليس مرجعاُ ومرشداُ تقليديًا لتعلم القيادة، أو تطوير القدرات القيادية للقارئ او المعلم، بل هو خطاب فكري وأخلاقي وفلسفي، يجعل من القيادة حالة وعي أولًا، تظهر في التصرفات اليومية كدليل على وعي أي قائد، ويجعل من التصرفات وليس من الخطابات دليلًا على ما يؤمن به القائد من قيم عليا وإدراك ووعي.
من خلال التجريد والتعميم، ومن خلال طرق التفكير المختلفة، ومظاهر الإدراك والرحمة، يقدم بكر أبو بكر ذاته، ورؤيته للقائد الحقيقي، الصادق، المتواضع، والمُلهم، والمنجز. والله الموفق
الكتاب: القائد الممتاز بين ثقة الاخرين والالهام
المؤلف: بكر أبو بكر، رئيس مجلس إدارة اكاديمية فتح الفكرية.
اصدار: دار البيرق العربي للنشر والتوزيع، رام الله فلسطين، 2025.