الإبادة متواصلة.. استهداف الحاضنة لفرض وقائع جديدة

يوليو 16, 2025 - 09:14
الإبادة متواصلة.. استهداف الحاضنة لفرض وقائع جديدة

د. سعد نمر: الاحتلال يستخدم استهداف المدنيين بغزة وسيلة لإطالة أمد الحرب وإظهارها كأنها ما زالت مستمرة دون إنجاز حقيقي
نزار نزال: الخروج من الموت الجماعي ليس بحلول مؤقتة أو إرسال أكياس الطحين بل يحتاج إلى مسار إنساني وسياسي متكامل
د. عمرو حسين: ما يحدث مجزرة ممنهجة تتجاوز كل القيم الأخلاقية والقوانين الدولية وتحمل دلالات خطيرة تهدد إنسانية العالم كله
خليل شاهين: ما يجري بغزة لحظة إبادة تاريخية ضمن مسار متواصل للمشروع الصهيوني يهدف لتدمير الفلسطينيين كجماعة وتهجيرهم
د. نادية صبرة: جريمة مستمرة ضد الإنسانية في ظل صمت دولي ووقفها يبدأ من تجريد الاحتلال من حصانته السياسية والإعلامية
داود كُتَّاب: ضرورة وحدة الصف الوطني والبحث عن وسائل ضغط خارجية جديدة يمكن أن تسهم في إلزام الاحتلال بوقف نزيف الدم


تتواصل حرب الإبادة المفتوحة ضد المدنيين في قطاع غزة، بينما تتكشّف يوماً بعد آخر أبعاد المأساة التي لم تعد تقتصر على القصف والدمار، بل تمتد إلى محاولات ممنهجة لتفريغ غزة من سكانها الأصليين، وسط صمت دولي يكتفي بالتصريحات ونداءات الإغاثة، دون تحرك جاد يوقف آلة القتل الإسرائيلية المستمرة، التي تقتل وتجرح المئات يومياً.
ورغم تعثر المساعي السياسية واتساع دائرة العدوان الإسرائيلي، يرى كتاب ومحللون سياسيون ومختصون وأساتذة جامعات، في أحاديث منفصلة مع "ے"، أن إسرائيل لا تسعى فقط لحسم عسكري غائب على الأرض، بل تستخدم استهداف المدنيين أداة لإطالة أمد الحرب وفرض وقائع جديدة.
وبينما تتحرك بعض الأطراف الإقليمية والدولية بجهود متقطعة لا ترقى إلى مستوى التحدي، يرى الكتاب والمحللون وأساتذة الجامعات أن مفتاح إنهاء المقتلة يكمن في تحرك دولي حقيقي يفرض وقفاً شاملاً لإطلاق النار، إلى جانب حراك شعبي ضاغط ومبادرات قانونية ودبلوماسية تضع حداً لصمت العالم، وتجرد الاحتلال من الحصانة السياسية والإعلامية التي طالما وفرت له غطاءً لقتل المدنيين وتهجيرهم بعيداً عن أي محاسبة حقيقية، بينما يرى آخرون فاعلية تصعيد عمليات المقاومة الفلسطينية في التفكك الداخلي الإسرائيلي والضغط على نتنياهو وحكومته لإيقاف الحرب.

حرب إبادة ومذابح ممنهجة بحق المدنيين

يؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت د. سعد نمر أن ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة هو حرب إبادة ممنهجة تستهدف المدنيين الفلسطينيين بشكل مباشر، حيث إنه بعدما عجزت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية عن تحقيق أهداف واضحة ضد المقاومة الفلسطينية على الأرض، لجأت للانتقام من المدنيين في قطاع غزة.
ويوضح نمر أن الاحتلال يستخدم استهداف السكان المدنيين في غزة وسيلة لإطالة أمد الحرب وإظهارها كأنها ما زالت مستمرة دون إنجاز حقيقي، محذراً من أن هذا النهج يعني استمرار المذابح ما لم يمارس المجتمع الدولي ضغطاً فعلياً لفرض اتفاق وقف إطلاق نار نهائي ينسجم مع الشروط الفلسطينية ويحمي أهل غزة من محاولات التهجير والتطهير العرقي.
ويؤكد نمر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى إلى إطالة أمد الحرب لتعويض فشله العسكري عبر مكاسب دبلوماسية، موضحاً أن الشروط التي يطرحها نتنياهو –مثل نزع سلاح المقاومة وإخراج قادتها– تعني عملياً الحكم بالإعدام على مستقبل قطاع غزة وتفريغه من سكانه الأصليين.

تصاعد عمليات المقاومة

ويشدد نمر على أن مفتاح إنهاء هذا "الموت الجهنمي" بحق المدنيين في غزة، يكمن في استمرار المقاومة الفلسطينية وتصاعد عملياتها الميدانية، الذي يؤدي بالجيش نحو الضغط على نتنياهو لإيقاف الحرب.
ويلفت نمر إلى أنه منذ نحو شهر ونصف فإن هناك ارتفاعاً كبيراً في وتيرة ودقة وتكتيك العمليات التي تنفذها المقاومة، وهو ما أدى إلى إرهاق وإرباك الجيش الإسرائيلي بشكل واضح.
ويوضح نمر أن الإحصاءات الأخيرة تشير إلى أن وتيرة عمليات المقاومة ارتفعت من مرة أو مرتين كل عشرة أيام إلى أربع أو خمس عمليات أسبوعياً، وهو ما انعكس مباشرة على خسائر الجيش الإسرائيلي الذي فقد نحو 20 جندياً في شهر حزيران الماضي وحده، فيما سقط 13 جندياً إضافياً منذ بداية شهر تموز حتى منتصفه، فضلاً عن عشرات الجرحى.
ويبيّن نمر أن هذه الخسائر المتصاعدة بصفوف الجيش الإسرائيلي أدت إلى تصاعد الخلافات داخل المؤسسة الإسرائيلية، حيث تُظهر تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير والمشادات الكلامية مع وزراء الحكومة الإسرائيلية حجم التوتر والإرباك، بينما كشفت تحقيقات القناة 12 العبرية عن حالة الخوف الحقيقي لدى جنود الاحتلال من دخول غزة مجدداً.
ويؤكد نمر أن المقاومة نجحت في تحويل المعركة إلى حرب استنزاف مفتوحة، تضع الجيش  الإسرائيلي في مواجهة أزمة نفسية ومعنوية خانقة، وتجبره على الضغط على القيادة السياسية لإيقاف الحرب وإجبار نتنياهو على القبول باتفاق يضمن وقف المذابح وإنقاذ المدنيين من استمرار هذه الإبادة.

وقف المقتلة يحتاج إلى ضغط دولي كبير وفعّال

يؤكد الباحث المختص بالشأن الإسرائيلي وقضايا الصراع نزار نزال أن وقف المجزرة المستمرة في قطاع غزة لا يمكن أن يتحقق في ظل الاكتفاء بتدخلات محدودة وموسمية من المجتمع الدولي، مشيراً إلى أن الضغوط المتقطعة التي تمارسها الولايات المتحدة من حين إلى آخر على حكومة نتنياهو لم تصل إلى حد الضغط الخشن القادر على وقف الحرب ووقف آلة القتل والتدمير التي تحصد أرواح الفلسطينيين يومياً.
ويوضح نزال أن هناك جهوداً إقليمية تُبذل من مصر وقطر والأمم المتحدة ومنظماتها، إضافة إلى تدخلات من منظمات دولية أخرى، لكنها حتى الآن لم ترتقِ إلى مستوى الضغط المباشر والحقيقي الذي يجبر إسرائيل على وقف إطلاق النار وإنهاء استهداف المدنيين والبنية التحتية في غزة.
ويشدد على أن كسر هذه المقتلة يحتاج أولاً إلى ضغط دولي كبير وفعّال، خاصة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مع ضرورة أن تتزامن هذه الجهود مع ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وإنهاء الانقسام لتحقيق توافق فلسطيني يعزز الموقف التفاوضي ويمنح الفلسطينيين صوتاً موحداً أمام العالم.

تحركات قانونية أكثر كثافة أمام "الجنائية" والهيئات الأممية

ويدعو نزال إلى تحركات قانونية أكثر كثافة أمام المحكمة الجنائية الدولية وهيئات الأمم المتحدة لإحراج إسرائيل دولياً وإبراز الجرائم الموثقة بحق المدنيين، إلى جانب تفعيل دور الدبلوماسية الفلسطينية ومنظمات المجتمع المدني في الخارج وتوسيع دائرة الاحتجاجات الشعبية في العواصم العالمية لخلق واقع جديد يضغط على إسرائيل لإنهاء المجزرة.
ويؤكد نزال أن من بين الأدوات العربية والإسلامية المهمة التي يمكن استخدامها وقف مسار التطبيع مع إسرائيل أو التهديد بخطوات اقتصادية وسياسية قادرة على فرض كلفة حقيقية على الاحتلال.
ويشدد على أن إنهاء شلال الدم في غزة يتطلب كسر حالة التردد والتناقض في مواقف المجتمع الدولي، الذي لا يزال يكتفي بالبيانات والنداءات الإنسانية.
ويشير نزال إلى أن الخروج من الموت الجماعي في غزة لا يكون عبر حلول مؤقتة أو إرسال أكياس الطحين فقط، بل يحتاج إلى مسار إنساني وسياسي متكامل.
ويعتبر نزال أن الحل يبدأ بوقف إطلاق نار فوري بضمانة دولية حقيقية تحول دون استئناف القتل المتكرر، وفتح المعابر بشكل دائم لضمان تدفق مئات الشاحنات الغذائية والإغاثية بشكل مستمر لتأمين الحد الأدنى من مقومات الحياة.
ويؤكد نزال ضرورة إيجاد مناطق آمنة تحت حماية المجتمع الدولي للمدنيين، مع تفعيل دور الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية في توثيق الانتهاكات وملاحقة المسؤولين الإسرائيليين أمام المحاكم الدولية، معتبراً أن الحل الجذري لا بد أن يعيد القضية الفلسطينية إلى أصلها كقضية استعمار واحتلال استيطاني، وليس مجرد ملف إنساني يُختزل في شحنات الغذاء والمساعدات.

نتنياهو لا يسعى إلى تحقيق أي سلام حقيقي

يحذر الكاتب والمحلل السياسي المصري والباحث في العلاقات الدولية والاستراتيجيات د. عمرو حسين من خطورة ما يجري في قطاع غزة، مؤكداً أن ما يحدث ليس مجرد حرب، بل مجزرة ممنهجة تتجاوز كل القيم الأخلاقية والقوانين الدولية، وتحمل دلالات خطيرة تهدد إنسانية العالم كله.
ويوضح حسين أن المجازر اليومية التي يذهب ضحيتها مئات المدنيين الأبرياء، من نساء وأطفال وكبار في السن، تكشف الوجه الأكثر وحشية للاحتلال الإسرائيلي الذي جعل من استهداف النسيج الاجتماعي الفلسطيني أداة للقتل الجماعي وإضعاف المجتمع الفلسطيني في حاضره ومستقبله.
ويشير إلى أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لا يسعى مطلقاً إلى تحقيق أي سلام حقيقي، بل يوظف المماطلات الدبلوماسية والمناورات السياسية كوسيلة لإطالة أمد القتل وتكريس سياسة الأرض المحروقة، مدفوعاً بحسابات انتخابية داخلية وتحالفات يمينية متطرفة لا ترى في الدم الفلسطيني سوى وقوداً لإطالة عمرها السياسي.

المجتمع الدولي أمام اختبار أخلاقي وتاريخي حاسم

ويلفت حسين إلى أن المجتمع الدولي اليوم يقف أمام اختبار أخلاقي وتاريخي حاسم، فإما أن يتحرك من خلال آلية أممية صارمة عبر تفعيل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لفرض وقف فوري لإطلاق النار، أو أن يتحمل وصمة العار في التواطؤ بالصمت أمام إبادة جماعية مكتملة الأركان.
ويؤكد حسين أن القوى الدولية الكبرى، وفي مقدمتها الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مطالبة بالخروج من دائرة بيانات الشجب والإدانة، إلى تبني قرارات وإجراءات عملية تفرض على إسرائيل ثمناً حقيقياً لاستمرار عدوانها، مثل فرض عقوبات مباشرة، ووقف الدعم العسكري، وتحريك ملفات الجرائم ضد الإنسانية في المحكمة الجنائية الدولية.
ويشدد حسين على أن أدوات الضغط يجب ألا تقتصر على المسارات الرسمية، بل يجب تفعيل سلاح المقاطعة الاقتصادية، وتحريك الرأي العام العالمي عبر الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، بما يعيد الاعتبار للقيم الإنسانية التي يهدرها القصف اليومي على غزة.
وعلى المستوى الإقليمي، يرى حسين أن الموقف العربي والإسلامي لا يزال أدنى بكثير من مستوى التحديات، مطالباً بانتقال الدول العربية والإسلامية من مربع الإدانة إلى ممارسة ضغط سياسي واقتصادي حقيقي يجبر الاحتلال على وقف آلة القتل.
ويؤكد حسين أن ما يجري في غزة يمثل لحظة فاصلة في التاريخ الفلسطيني والعربي، داعياً إلى تحرك دولي موحد من أجل وقف هذا الجحيم قبل أن يفقد العالم ما تبقى من ضميره الأخلاقي والإنساني.


تحويل غزة إلى بيئة مستحيلة للحياة

يؤكد الكاتب والمحلل السياسي خليل شاهين أن ما يجري في قطاع غزة لا يمكن النظر إليه إلا كلحظة تاريخية ضمن مسار إبادة متواصل ضد الشعب الفلسطيني منذ النكبة عام 1948، إذ يشير إلى أن المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني يقوم في جوهره على فعل الإبادة الجماعية للفلسطينيين بهدف تهجيرهم وتفكيكهم كجماعة قومية.
ويعتقد شاهين أن ما يحدث في غزة بشكل واضح، وبدرجات متفاوتة أيضاً في الضفة الغربية، يستهدف تدمير الفلسطينيين كمجموعة وطنية، موضحاً أن التقارير الدولية والصحية تكشف حجم الأضرار غير القابلة للإصلاح جراء القتل الجماعي والتجويع المنهجي الذي يشمل حتى النساء الحوامل والأطفال الرضع الذين يعانون من نقص شديد في النمو بسبب سوء التغذية ومنع دخول حليب الأطفال.
ويشير إلى أن إسرائيل تستهدف في الوقت نفسه تدمير البنى التحتية والمؤسسات التعليمية والصحية والثقافية، مستشهداً باستهداف الأطباء والأكاديميين والمثقفين، وبتدمير الجامعات والمستشفيات، وصولاً إلى ضرب مصادر المياه لتعطيش الفلسطينيين، وهو ما يعني تحويل غزة إلى بيئة مستحيلة للحياة.
ويؤكد شاهين أن هذه السياسات لا تنتهي بفصل التهجير، بل تمتد آثارها للأجيال القادمة حتى في بلاد اللجوء التي تُدفع إليها مئات الآلاف من الفلسطينيين قسراً.
ويشير إلى أن محكمة العدل الدولية وغيرها من الهيئات الحقوقية وثقت بوضوح أن إسرائيل تمارس جريمة إبادة جماعية هدفها إحداث أضرار جسيمة ودائمة في المجتمع الفلسطيني.

ما يُطرح حالياً اتفاق جزئي لوقف النار

وعن مسار المفاوضات الجارية، يوضح شاهين أن ما يُطرح حالياً هو اتفاق جزئي لوقف إطلاق النار لمدة ستين يوماً يتضمن الإفراج عن عدد من الأسرى الإسرائيليين مقابل أسرى فلسطينيين، مع انسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية وإدخال مساعدات إنسانية، لكن إسرائيل تحاول استغلال هذه الفترة لترسيخ تهجير داخلي واسع عبر تجميع مئات الآلاف في ما يسمى "مدينة إنسانية" في رفح، وهو يشبه معسكر اعتقال نازي جديد يمكن أن يتحول لاحقاً إلى محطة عبور للتهجير إلى خارج فلسطين.
ويؤكد شاهين أن إسرائيل تناور عبر المفاوضات مستفيدةً من الوقت حتى خروج الكنيست في إجازته الصيفية نهاية الشهر الجاري، حيث تماطل عبر تقديم خرائط إعادة انتشار جزئية وغير جوهرية تهدف لإطالة أمد التفاوض بلا نتائج ملموسة، وهو ما يستدعي تدخلاً جاداً من الوسطاء، خاصة من قطر ومصر، إلى جانب موقف واضح وضاغط من الولايات المتحدة.
ويحذر شاهين من أن حكومة نتنياهو تحاول تثبيت وقائع ميدانية خلال فترة التهدئة عبر ترسيخ مناطق عازلة قد تتحول إلى بؤر استيطانية لاحقاً شمال القطاع أو في رفح، مؤكداً ضرورة فرض انسحابات إسرائيلية حقيقية وعميقة، وضمان إدخال المساعدات بكميات كافية، بما يشمل الغذاء والمستلزمات الطبية وإعادة تشغيل ما يمكن من المستشفيات المدمرة، وكذلك إعادة إدخال الخيام والبيوت المتنقلة وفق اتفاق كانون الثاني/ يناير الماضي.
ويؤكد شاهين أن اتفاق التهدئة وحده لا يكفي إذا لم يتضمن ضمانات دولية لعدم استئناف الحرب بعد انقضاء المهلة، محذراً من أن العودة إلى القتل والتدمير بعد الستين يوماً ستعيد إنتاج الكارثة الإنسانية وتزيد من فرص التهجير الجماعي.
وينتقد شاهين القيادة الفلسطينية لغياب رؤية واضحة ومشتركة حول ما يجب التفاوض عليه أو ترتيبات "اليوم التالي"، منتقداً في الوقت ذاته موقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي كرر في لقاء مع توني بلير مطالب إسرائيلية بنزع سلاح غزة ومنع حماس من العودة للحكم، بدل طرح رؤية فلسطينية موحدة عبر حوار داخلي يشمل جميع الفصائل.
ويشدد شاهين على أن اتفاق الهدنة يجب أن يكون محطة لحماية الفلسطينيين من الإبادة، عبر مقاربة منقذة للحياة تضمن وقف القتل والتجويع وتمكين الناس من العودة إلى مناطقهم حتى لو كانت مدمرة، مع توفير المقومات اللازمة لصمودهم، محذراً من أن استمرار الانقسام والتقصير الرسمي قد يترك الشعب الفلسطيني أمام خطر تهجير شامل من غزة والضفة الغربية معاً.

نتنياهو لا يشغله سوى كسب الوقت

تؤكد الكاتبة والمحللة السياسية المصرية د. نادية صبرة أن ما يجري في غزة ليس مجرد حرب عابرة أو أضرار جانبية كما يحاول البعض تبريره، بل هو جريمة مستمرة ضد الإنسانية تُرتكب أمام أنظار العالم في ظل صمت دولي وعجز عربي صارخ، مؤكدة أن آلة القتل الإسرائيلية تحصد مئات الشهداء يومياً، معظمهم من المدنيين، دون رادع حقيقي.
وتشير صبرة إلى أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لا يشغله سوى كسب الوقت عبر مناورات سياسية داخلية وخارجية لفرض أمر واقع على الأرض، بينما تستمر آلة الحرب الوحشية في استهداف النساء والأطفال بشكل ممنهج بهدف كسر إرادة الفلسطينيين وإرغامهم على الاستسلام بالقوة.
وتنتقد صبرة موقف المجتمع الدولي تجاه ما يجري، معتبرة أن مجلس الأمن أصبح رهينة للفيتو الأمريكي، في حين اكتفى الاتحاد الأوروبي بالتنديد والشجب دون تحرك فعلي يوازي حجم الجريمة، بينما يغيب الموقف العربي عن مستوى التحدي الذي يواجهه الشعب الفلسطيني.
وترى صبرة أن المخرج من هذه المقتلة لن يأتي من بيانات الشجب أو المواقف الرمادية، بل يتطلب تحركات جماعية على مستويين متوازيين؛ الأول شعبي عالمي من خلال تحويل حالة التعاطف الواسعة مع الشعب الفلسطيني إلى ضغط متزايد في الشارع عبر حملات ممنهجة لمقاطعة الاحتلال الإسرائيلي اقتصادياً وإعلامياً، أسوةً بتجربة جنوب أفريقيا التي أسقطت نظام الفصل العنصري.
أما المستوى الثاني –وفق صبرة– فيكمن في ضرورة إعادة تفعيل الأدوات العربية والإقليمية، وعلى رأسها وقف جميع أشكال التطبيع التي تمنح الاحتلال شرعية مجانية، إلى جانب استثمار الإمكانات الاقتصادية والسياسية للدول العربية للضغط بشكل حقيقي وفاعل، مؤكدة أن وقف المقتلة يبدأ من تجريد الاحتلال من الحصانة السياسية والإعلامية التي يتمتع بها.

استهداف مقصود للفئات الأضعف بالمجتمع الفلسطيني

وتشدد صبرة على أن ما يحدث في غزة هو استهداف مقصود للفئات الأضعف في المجتمع الفلسطيني من النساء والأطفال، الذين هم ليسوا ضحايا عابرين بل هدفٌ إسرائيلي في حد ذاته، لأنهم رمز الاستمرارية والوجود، وهو ما يجعل الاحتلال يستهدفهم بالقصف المتعمد لإرهاب المجتمع بأكمله.
وتؤكد صبرة أن الحل يجب أن لا يكون فقط سياسياً بل أخلاقياً أيضاً، مشيرة إلى أن حالة التعود على مشاهد أشلاء الأطفال وصراخ الأمهات يجب أن تتوقف فوراً، وأن الضمير العالمي ينبغي أن يتحرك قبل فوات الأوان، داعية إلى وقف فوري لإطلاق النار، وفتح ممرات آمنة، وإعادة تفعيل دور وكالة الأونروا التي كانت قادرة على تقديم المساعدات الحيوية قبل شلّ عملها، مؤكدة أن الصمت المتواطئ يجب أن يهتز بصوت عربي حقيقي يحوّل الألم إلى فعلٍ قبل أن يسجّل التاريخ هذا العجز كعار على الجميع.


الأولوية القصوى اليوم حماية أبناء الشعب الفلسطيني

يشدد الكاتب والمحلل السياسي داود كُتَّاب على خطورة استمرار الحرب الدامية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، مؤكداً أن إسرائيل لا تمنح أي قيمة لحياة غير حياة الإسرائيليين ولا يمكن الوثوق بها في ظل آلة حرب لا تعرف الرحمة.
ويوضح كُتَّاب أن جميع الجهود يجب أن تبذل باستمرار من أجل وقف المجازر التي يتعرض لها أبناء الشعب الفلسطيني في غزة، داعياً في الوقت نفسه إلى البحث عن وسائل ضغط خارجية جديدة وخلاقة يمكن أن تسهم في إلزام الاحتلال بوقف نزيف الدم، بعيداً عن الحسابات الضيقة والمكاسب الفئوية.
وفي رسالة واضحة إلى قيادات العمل السياسي الفلسطيني، ينصح كُتَّاب حركة حماس بقبول آخر عرض مطروح على طاولة المفاوضات دون تردد أو نقاش إضافي، معتبراً أن الأولوية القصوى اليوم هي حماية أبناء الشعب الفلسطيني من آلة الحرب الإسرائيلية غير الإنسانية التي تحصد الأرواح بلا توقف.
ويشدد كُتَّاب على أن وحدة الصف الفلسطيني باتت واجباً وطنياً لا يقبل التأجيل في هذه اللحظة الحرجة، مشيراً إلى أن تجاوز الخلافات السياسية وتحييد المصالح الضيقة هو السبيل الوحيد لوقف آلة القتل المستمرة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من دماء وأرواح المدنيين العزل في قطاع غزة.