معادلة بيت لحم في ميلادها تعانق غزة في فجيعتها

ديسمبر 27, 2023 - 16:57
معادلة بيت لحم في ميلادها تعانق غزة في فجيعتها

قبل ساعة واحدة من ذروة احتفال مولد السيد المسيح في مغارته ببيت لحم ، أعلنت وسائل الاعلام عن ارتكاب إسرائيل مجزرة جديدة في مخيم المغازي راح ضحيتها سبعين انسانا معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ . لقد تعانقت بيت لحم في ذكرى مولد مخلص البشرية السنوية الثالثة والعشرين بعد الألفين ، مع شقيقتها غزة في يوم ابادتها الثمانين ، لتعلن المدينتان ان هذا الشعب بدينيه المسلم والمسيحي هو شعب واحد لا و لن يقهر ، حين اعلن الشق المسيحي انه لن يحتفل بميلاد مسيحه تضامنا مع ما يتعرض له شقه الآخر في غزة التي يتم ذبحها من المسجد الى الكنيسة ومن الكبير الى الصغير ومن المستشفى الى المدرسة ومن الوريد الى الوريد .


ليس مستغربا هذا الموقف المعظّم من قبل هذا المكوّن الأصيل ، فالمسيحيون في فلسطين هم ملح الأرض وقمحها وجرحها ، عكف الاحتلال الصهيوني ، ومن قبل جملة من الاستعمارات بما فيها استعمارات تمسحت بالمسيحية والصليبية ، من أجل عزلهم وحرفهم وثنيهم وطمسهم ، بما في ذلك محاولات خسيسة اسلاموية وداعشية . إن ما شهدوه وما جابهوه عبر تاريخهم لا يقل في أثره عن ما تجابهه غزة اليوم في محنة ابادتها، يكفي ان يكون بايدن الذي يشرف على هذه الإبادة "مسيحي صهيوني" كما يقول، ويكفي ان الاحتلال في حربه على جنوب لبنان ومجازر المخيمات قد تواطأ مع حزب الكتائب وابتدع جيش أنطوان لحد وسعد حداد وحراس الأرز ، ومع مطلع انتفاضة الحجارة وبعيد تشكيل حركة حماس ، حاول هذا الاحتلال تأسيس "حمام" أي حركة المقاومة المسيحية لمقارعة "حماس" .


اليوم ، في هذه المعانقة الغزية التلحمية ، تصدر حماس بيانا تثمن فيه هذا الموقف المسيحي الاخوي ، وقبلها بأيام يعلن القيادي الحمساوي أسامة حمدان عن السيدتين المسيحيتين اللتان قتلتا في القصف على الكنيسة انهما شهيدتان ، ما يتناقض تماما مع الذباب الاسلاموي الذي حرّم الدعاء للشهيدة شيرين أبو عاقلة بأن يرحمها الله ، ومن قبل شيرين شاعر فلسطين الكبير محمود درويش "تلقي التهاني بنفوقه لانه كافر" . وما انفضاض جمع المصلين من حول الامام الهباش في صلاة الجمعة برام الله ، الا مؤشرات دامغة ، حتى جاءت هذه المعانقة تقضي نهائيا على هذا الذباب الفئوي و الطائفي والفيروسي .


يشير المفكر المسيحي الفلسطيني منير فاشة في احد مؤلفاته الى المرأة الساحورية خلال الانتفاضة الأولى وعصيان دفع الضرائب ، توسلت الى الضابط المحتل ان يترك لها الثلاجة لانها تضع حليب اطفالها فيها ، رق الضابط وطلب منها دفع خمسين شيكلا فقط كي يترك لها ثلاجتها ، فقالت له انها لا تفاوض على قرار للقيادة الموحدة ؛ لو طلبت مني شيكل فلن أدفع ، فقال لها : هاتي شيكل واحد واترك لك ثلاجتك . فرضت دفع الشيكل مقابل الثلاجة ، وقالت له ما قاله سيدنا يسوع : "ليس بالخبز وحده يحيا الانسان" .