ما بين ٥ و١٧ نيسان.. يوم الطفل ويوم الأسير في قبضة الاحتلال

د. دلال صائب عريقات
في فلسطين، لا تُفصل المناسبات عن واقع الاحتلال، ولا تُقرأ الأيام إلا من زوايا وطنية فيها جرح دائم. وبين 5 نيسان، يوم الطفل الفلسطيني، و17 نيسان، يوم الأسير الفلسطيني، تتقاطع حكايات الألم، لتكتب سيرة جيل وُلد في حضن القيد، وكبر في ظلال الزنازين.
في هذا الشهر، يتوقف الفلسطيني أمام مفارقة قاسية: كيف نحتفل بطفولة تُنتزع قسرًا إلى غرف التحقيق؟ وكيف نتحدث عن حقوق الأطفال بينما مئات الأطفال الفلسطينيين يقبعون خلف القضبان، يُحاكمون أمام محاكم عسكرية، ويُحرمون من التعليم والرعاية والحماية وأبسط حقوق الطفولة؟
قصة أحمد مناصرة تختصر المأساة. كان في الثانية عشرة من عمره حين اعتقلته سلطات الاحتلال عام 2015، بعد أن شاهد إعدام ابن عمه أمام عينيه. تعرّض للدهس، وكُسرت جمجمته، ونُقل إلى التحقيق وهو في حالة صحية ونفسية حرجة، ثم حُكم عليه بالسجن أكثر من تسع سنوات، قضى معظمها في العزل الانفرادي. ومع إطلاق سراحه أخيرًا، لم يسلّموه لعائلته، بل ألقوه وحيدًا في منطقة نائية، دون حماية أو مرافقة أو حتى إشعار.
قصة أحمد ليست استثناءً، بل عنوانًا لواقع مستمر. ومنذ السابع من أكتوبر 2023، ارتفعت وتيرة الانتهاكات بحق الأطفال، إذ تشير التقارير الحقوقية إلى أن 70% من ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة هم من النساء والأطفال، ما يؤكد أن الطفولة في فلسطين مستهدفة، لا بالصدفة، بل بالسياسة.
هذا الواقع لا ينتهك فقط الضمير الإنساني، بل يخرق بوضوح الاتفاقيات الدولية التي وقّعت عليها إسرائيل، وفي مقدمتها:
???? اتفاقية حقوق الطفل (CRC) – 1989 وهي الاتفاقية الأكثر تصديقًا في العالم (196 دولة)، والتي تنص على أن: "الطفل هو كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، وله الحق في التمتع بجميع الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقية". وقد صادّقت عليها إسرائيل عام 1991، ما يلزمها قانونًا بحماية حقوق جميع الأطفال تحت سيادتها، بما فيهم الأطفال الفلسطينيون في الأراضي المحتلة. وتشمل هذه الحقوق: الحق في الحياة والحماية من العنف: الحق في التعليم والرعاية الصحية: الحق في عدم التعرض للتعذيب أو الاعتقال التعسفي: الحق في محاكمة عادلة وتواصل مع الأهل.
لكن الواقع في فلسطين يعكس نقيض هذه الالتزامات، حيث يُحرم الأطفال من أبسط الحقوق، ويُعتقلون دون تهم، ويتعرضون للتعذيب الجسدي والنفسي، وتُعقد لهم محاكم عسكرية بدل محاكم أحداث.
???? اتفاقية جنيف الرابعة – 1949 التي تحمي المدنيين تحت الاحتلال، وتدرج آليات للتعامل مع أسرى الحرب وتمنع اعتقال الأطفال أو ترحيلهم من أراضيهم دون أسباب قاهرة. كما تحظر المعاملة المهينة والتعذيب. إسرائيل تنتهك هذه المواد بشكل منهجي، خاصة عبر نظام الاعتقال الإداري والاقتحامات الليلية والعقوبات الجماعية.
???? العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: الذي ينص على الحق في الحرية والأمان الشخصي، ويمنع الاعتقال التعسفي أو التعذيب أو المحاكمة غير العادلة.
عندما نتحدث عن الأطفال الأسرى، فنحن لا نتحدث عن إحصائيات، بل عن وجوه، عن دفاتر مدرسية تركت على الطاولات، عن أمهات ينتظرن مكالمة، عن طفولة تُختطف من بين الأذرع لتُلقى في المجهول. الاحتلال لا يسجن الأجساد فقط، بل يخطف الطفولة، ويشوّه الوعي، ويقمع الحلم.
ما بين 5 و17 نيسان... مسؤوليتنا في هذه الأيام، لا نملك ترف الصمت. علينا أن نُذكّر العالم أن أطفال فلسطين لا يطلبون امتيازات، بل يطالبون بما هو أبسط من ذلك: أن يُعاملوا كأطفال. لكل من يؤمن بالعدالة أن يوقف إفلات إسرائيل من العقاب، ان يُحاسب دولة الاحتلال على انتهاكاتها، وأن يُطالب بإطلاق سراح الأطفال الأسرى فورًا.
................
عندما نتحدث عن الأطفال الأسرى، فنحن لا نتحدث عن إحصائيات، بل عن وجوه، عن دفاتر مدرسية تركت على الطاولات، عن أمهات ينتظرن مكالمة، عن طفولة تُختطف من بين الأذرع لتُلقى في المجهول. الاحتلال لا يسجن الأجساد فقط، بل يخطف الطفولة، ويشوّه الوعي، ويقمع الحلم.