من يحكم إسرائيل؟ أزمة الهوية والأنقسام في ظل طبيعة الدور الأمريكي القائم والعودة الى الإبادة .

مارس 18, 2025 - 15:38
من يحكم إسرائيل؟ أزمة الهوية والأنقسام في ظل طبيعة الدور الأمريكي القائم والعودة الى الإبادة .

مروان أميل طوباسي 

في اجواء العودة اليوم الى مقتلة الإبادة المستمرة بشروط بن غفير ومباركة نتنياهو الذي يسعى بالبقاء بالحكم امام التحديات التي تواجهه ، تشهد إسرائيل اليوم واحدة من أكثر الفترات أضطراباً في تاريخها السياسي، وهي تعبير عن عمق الأزمة البنيوية التي تعصف بالمؤسسة الإسرائيلية ، والتي تصاعدت حرب الإبادة بنتيجة عنها الى حد كبير . حيث تتداخل الأزمة الداخلية مع تحولات كبرى في العلاقة مع الولايات المتحدة الشريك الإستراتيجي الأهم ، في وقت تتسارع فيه أرهاصات التحول بالنظام الدولي والمتغيرات بالأقليم . 

فمع تصاعد الخلافات بين جناحي المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة ، القومي والديني الصهيوني المتطرف من جهة ، والجناح الصهيوني الليبرالي والأمني المهني من جهة أخرى ، تتسارع التطورات نحو نقطة قد تكون حاسمة لمستقبل دولة الأحتلال الإستعماري واستقرارها الداخلي . هذا اضافة الى عوامل الإدانات والعزلة الدولية على المستوى الخارجي وانعكاساتها على الداخل الإسرائيلي الى جانب قضية الأسرى وتحركات الشارع الإسرائيلي .

فمنذ بداية الأنقلاب القضائي الذي سعت إليه حكومة بنيامين نتنياهو قبل عامين ، برزت أزمة عميقة داخل إسرائيل بين المعسكرين ، الأول يمثله التيار الصهيوني الديني المتطرف ، الساعي للسيطرة على مفاصل الدولة وتعزيز الطابع اليميني الديني المتطرف للحكم ، والثاني يقوده التيار الصهيوني الليبرالي الذي يخشى من انهيار "أسس الديمقراطية وفصل السلطات " داخل الدولة التي نفسه رسخها في اطار الوجه الإستعماري لها طيلة فترة سيطرته منذ تأسيس هذا الكيان أو الدولة لصالح حكم أكثر استبدادية . هذه المواجهة ليست مجرد صراع على النفوذ ، بل هي إعادة تشكيل جوهر الدولة الإسرائيلية وطبيعة هويتها الإستعمارية . حيث يسعى اليمين القومي الديني لإحداث تحول جذري في طبيعة الحكم والسيطرة المطلقة على مفاصله ومؤسساته ، بينما تحاول المؤسسة الأمنية الحفاظ على توازن داخلي يحفظ ما تبقى من الأستقرار وفق علاقاتها بالتيار الليبرالي الصهيوني حتى اليوم ، والتي يحاول نتنياهو واليمين الديني أطباق السيطرة عليها من خلال الأقالات والتعينات الجديدة في هذه المؤسسة الأمنية .

الخلافات الأخيرة بين أقطاب حزب الليكود اليميني الحاكم نفسه ، والخلاف بين نتنياهو ورئيس جهاز الموساد والشاباك وقبل ذلك مع وزراء في حكومته ورئيس الأركان والمستشار القضائي ، تعكس هذا الصراع العميق داخل أروقة هذه الدولة . ففي حين يواصل نتنياهو تعزيز سيطرة القوى الدينية القومية ، يُبدي الجهاز الأمني مخاوفه من تداعيات هذه السياسات على الأستقرار الداخلي وعلى العلاقة التي تحقق مصالحهم مع الفلسطينيين والعرب من جهة ومع الإدارة الامريكية من جهة اخرى ، خاصة في ظل التصعيد في الضفة الغربية والقدس من جانب حكومة الأحتلال وما تشهده تطورات المفاوضات الجارية حول غزة من خلال الولايات المتحدة التي لا يريدها نتنياهو .

-- الولايات المتحدة ، أزمة داخلية وتراجع في التأثير .
بالتوازي مع ما يحدث داخل إسرائيل، تواجه الولايات المتحدة انقسامات حادة تهدد استقرار نظامها السياسي الى حد ما ولأول مرة منذ الحرب الأهلية هنالك بين الشمال والجنوب التي قامت على أسس التفسيرات الدينية . فإدارة الرئيس ترامب التي عادت للحكم وسط انقسامات حزبية عميقة وصراع على السلطة ، تبدو غير قادرة على توحيد سياساتها تجاه الشرق الأوسط وهو ما ينعكس بتضارب مواقف ترامب وعدم استقرارها وحتى بشأن أوروبا ايضاً التي تواجهه بمزيدا من سياسات العسكرة وتشديد الأصطفاف ضد روسيا . وهي امور تضاف الى ما يعاني منه ترامب من اضطرابات مرضية نفسية واعتقاده بفهلويته التجارية وشجاعة وقاحته وتغول قوى راس المال الفاشي في إدارته ، مما يترك إسرائيل في وضع أكثر تعقيدا اليوم ونتنياهو اكثر انفلاتا . الأنقسامات داخل الحزب الجمهوري من جانب ، والصراع بين البيت الأبيض والكونغرس كما والصراع بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري من جانب اخر ، أضعفت قدرة الإدارة في واشنطن على التدخل بحسم في الأزمات الإقليمية ، مما يمنح نتنياهو فرصة للأستفادة من هذا الوضع السياسي والإداري الأمريكي لمواصلة أجندته الداخلية دون ضغوط جدية وفي ظل رغبة أمريكية بفتح الحوار والتفاوض المباشر حتى مع حماس ونظام الامر الواقع في سوريا بهدف تمرير مشروعها بالمنطقة ، لكنها بالطبع تعطي نتنياهو الضؤ الاخضر لاستمرار تنفيذ رؤيته .

لكن السؤال الذي يبرز هنا هو ، هل تستمر واشنطن في دعم إسرائيل دون قيد أو شرط وبغض النظر عما يدور بالشأن الداخلي الإسرائيلي ، رغم تصاعد التوترات الداخلية فيها ؟ أم أن الانقسامات الأمريكية بالرأي ستؤثر في النهاية على مستوى الدعم السياسي والعسكري لإسرائيل وقدرة الإدارة الأمريكية على التدخل بالشأن الداخلي باسرائيل ، خاصة إذا تزايدت الأصوات التي ترى أن تل أبيب أصبحت عبئاً استراتيجيا بدلاً من كونها حليفا لا غنى عنه؟ وذلك بمقابل قاعدة الدعم العقائدي والديني الواسع من جانب آخر الذي تحظى به اسرائيل هنالك من القاعدة الانتخابية لترامب واتساع تاثير المسيحية الصهيونية . وهو ما يؤشر الى نتيجة توافق ترامب مع نتياهو لعودة جرائم الإبادة وتعميق الأزمة القائمة داخليا .

-- تداعيات الأزمة على العلاقة مع الفلسطينيين. 
كل هذه التحولات تلقي بظلالها علينا نحن الفلسطينيين مع الاحتمالات الكبيرة لإعادة إرهاب الحرب على غزة ، وهو ما يجري منذ صباح اليوم بحق شعبنا في غزة منذ ساعات الصباح . فمع تزايد سيطرة القوى الدينية القومية داخل إسرائيل التي تؤسس لفاشية الحكم ، وتَراجُع دور المؤسسة الأمنية بقيادتها السابقة التي كانت تميل إلى إبقاء حالة "الهدوء الأمني" النسبي بما يحقق مصالحهم الى حد ما ، يصبح اليوم المشهد أكثر خطورة امام تغول اليمين الفاشي فيها بعد الأقالات . حكومة نتنياهو ، مدعومة باليمين المتطرف القومي والديني ، باتت تتبنى نهجا أكثر تطرفا ووحشية تجاه شعبنا الفلسطيني ، سواء في الضفة الغربية بما فيها القدس أو في غزة ، مما يفتح الباب أمام تصعيد أكبر قد يصل إلى نقطة اللاعودة ، وهو ما يدفع نتنياهو باتجاهه نحو تنفيذ مشروع اسرائيل الكبرى بما في ذلك انتهاك سيادة اراضي لبنان واليمن وسوريا وشوؤنهم الداخلية خاصة المتعلقة بوضع الدروز ودورهم .

في المقابل ، فأن ضعف الدور الأمريكي في ضبط الإيقاع داخل إسرائيل يجعل من الصعب فرض أي حلول سياسية الآن . حيث فقدت واشنطن قدرتها على التأثير المباشر كما كان الحال في الماضي . هذا يضعنا نحن الفلسطينيين أمام واقع جديد ، حيث تتحول إسرائيل إلى كيان أكثر عنصرية وتطرفا ، بينما تواصل الولايات المتحدة دعمها بفعالية رغم أوضاعها القائمة ورغم اشكالات في شكل العلاقة دون جوهرها . 

-- نحو أي مستقبل؟
ما يجري اليوم داخل إسرائيل ليس مجرد خلاف سياسي عابر بأعتقادي ، بل هو إعادة تشكيل لهوية الدولة وطبيعة علاقتها مع العالم ومنهم اليهود المنتشرين بدول مختلفة خاصة بالولايات المتحدة . في ظل هذا المشهد ، يبدو أن الاستقرار الإسرائيلي بات مهددا ليس فقط من الخارج ، بل من الداخل أيضا . فهل تصل هذه الأزمة إلى نقطة الانفجار ، أم أن النظام السياسي الإسرائيلي سيتمكن من استيعاب هذه التناقضات كما فعل في السابق ؟

امام ذلك ، فنحن الفلسطينيون نقف أمام مرحلة جديدة تتطلب إعادة تقييم استراتيجياتنا في ظل واقع إسرائيل التي تتجه نحو مزيد من الفاشية المتوحشة ، وواشنطن التي تبدو أقل قدرة على فرض التوازنات كما في الماضي وفقا للعوامل والمحددات التي أشرت لها بالمقال هذا . 

 في النهاية ، فإن التطورات داخل إسرائيل وأمريكا ليست مجرد أحداث منفصلة ، بل هي تحولات مترابطة ستحدد تطور احداث ومستقبل المنطقة بأسرها كما ومسار تَشكُل النظام الدولي الجديد ، الذي يتوجب البناء على محركات مجرياته ودفع العرب للأحتذاء بمواقف قادة أمريكيا اللاتينية او أيرلندا ودول البريكس وحتى معظم دول الجنوب العالمي في تحدي السياسات الأمريكية بهدف دفعها للتراجع من خلال موقف ورؤية وطنية فلسطينية واضحة موحدة وجريئة يتبناه العرب امام  هذا المشروع الصهيوني الذي يرفض بالأصل فكرة التسوية ووقف الحرب ، بل استمرار مخطط التجويع والتهجير وتقويض وجودنا على ارضنا بدعم أمريكي .