مكانتك من مكانك وقدراتك حيث تكون

مكانتك من مكانك وقدراتك حيث تكون
محمد قاروط ابو رحمه
تحاول هذه المقالة الاجابة على الاسئلة التالية:
هل انا كيان واحد اقوم بادوار متنوعة متعددة؟
كيف تكون مكانتي من مكاني؟
ما هي قدراتي؟
كيف تؤثر قدراتي على مكانتي؟
لماذا علينا التعامل مع غيرنا وفقا لمكانتهم في اماكنهم؟
الانسان كيان واحد يقوم بادوار متنوعة متعددة. الوعي بهذا الامر مهم، لانه مدخل اجباري لتوازن شخصية الفرد، واستقراره الوجداني، وسلامة تصرفاته، وهذا الوعي بوحدة شخصية الفرد توفر له الحماية من تشظية كيانه، التي قد ينتج عنها ازدواجية التصرفات وازواجية المعايير التي تحكم تصرفاته.
من خلال تجربتنا الممتدة، وتجربة من رافقناهم لاكثر من خمسين عام، فقد قابلنا افراد يتصرفون في العمل، (في العمل العام، وفي القوات العسكرية بشكل اكثر تحديدا) كما يتصرفون في الشارع والمنزل ومع العائلة، وحتى قيادة السيارة.
كما لاحظنا ايضا ان تصرفات بعض الافراد تكون في الشارع والعمل اكثر سلاسة وهدوء من التصرف داخل الاسرة، واحيانا العكس، يكون منفتحا سلسلا في الحياة العامة، وفي العمل اكثر تشددا.
معالجة هذا الامر شديد الاهمية، ويبدا بفهم ووعي كل فرد ان مكانته ياخذها من مكانه.
سأقدم تجربة حقيقية ليوم عادي ابين فيه كيف تكون مكانة الفرد من مكانه؟
الثلاثاء 24/12/2024. استيقظت من النوم الساعة الثالثة فجرا على صوت المنبه (اهتمام شخصي)، جهزت حقيبة الرياضة (الاهتمام بالصحة)، تحضير قهوة الصباح لفريق الرياضة (دور الفرد في جماعات الاهتمام المشترك)، قرأت نصف ساعة (المسؤولية الفردية في التثقيف والنمو المعرفي)، ايقظت اهل بيتي للصلاة (مسؤولية رب الاسرة)، ركبت السيارة وقدتها الى المسجد (سائق مركبه)، دخلت المسجد (مصلي اقف مع المصلين)، جلست على مقعد المدرس في المسجد وقدمت درسا (مدرس، واعظ في المسجد، كان الدرس عن مؤشرات ومخاطر الاجهاد الكظري)، انتظرت حتى تم اغلاق المسجد (تعاون معنوي مع الاخرين)، ركبت السيارة (سائق)، وصلت الى مكان ممارسة رياضة الصباح مع الفريق (عضو في فريق)، انهينا حصة الرياضة اليومية، قمت بتقديم القهوة للجميع (خادم المجموعة)، تحاورنا حول حملة وطن في جنين (مواطن مهتم)، بما اني اخر اعضاء الفريق خروجا من مكان ممارسة الرياضة فاني أتأكد من نظافة المكان واغلاق الابواب (المسؤولية الفردية في الحفاظ على النظافة والحفاظ على الاملاك العامة).
الساعة التاسعة والنصف جلسة مع طلبة الصفوف التاسع والعاشر في مدرسة ذكور ابو بكر الصديق الثانوية مع مديرية الثقافة في اريحا عن اثر الانتفاضة الاولى على بلورة الهوية الفلسطينية (مدرس طلاب بعمر 12 الى 13 عام، الاسلوب والتجهيزات ودارة النقاش يجب ان تناسب الفئة العمرية)، قدت سيارتي الى مركز تدريب اريحا المركزي هيئة التدريب العسكري (سائق)، توقفت امام البوابة سأل الحرس فاجبته (الالتزام بقواعد العمل المعمول بها، زائر لاداء مهمة)، الساعة 11 صباحا محاضرة في دورة عددها اكثر من 100 متدرب بعنوان: اهمية التفكير المستقبلي (محاضر لمتدربين من جامعة الاستقلال في هيئة التدريب العسكري)، اقف على المسرح اسيطر على القاعة. بعد انتهاء المحاضرة ركبت سيارتي (عدت سائقا)، ذهبت الى السوق للتسوق المنزلي (مشتري وبعين الباعة زبون)، عدت الى المنزل طرقت الباب طلت زوجتي تناولت المشتريات، ووضعت كرسي وطلبت مني الانتظار حتى تنهي اعمال غرفة المعيشة (رب اسرة في عرين اللبؤة)، قلت حاضر. عند الساعة الخامسة مساء كنت اقف امام دورة القيادات التاسيسية السادسة والعشرين محاضرا بعنوان: التطور التاريخي والقانوني لقوات الامن الفلسطينية (محاضر باسلوب وتجهيزات تناسب الفئة المستهدفة). وهكذا يمضي يومنا، اكثر او اقل.
هذه التجربة توضح تنوع الادوار التي يقوم بها نفس الفرد في كل يوم تقريبا. وكل درو يقوم به ياخذ مكانته من المكان الذي يقوم بالدور. فمثلا نحن في البيت ارباب اسر، مسؤوليتنا بث الطمأنية وروح السعادة في العائلة، وان نخفض جناحنا لاهل بيتنا، ونجاملهم ونتجاوز عن هفواتهم.
سعادة الاسرة مسؤولية رب الاسرة. سعادة الاسرة تبدأ عندما تكون لازمة الكلام عند رب الاسرة واحد من المفردات العظيمة (شكرا، اسف، حاضر). رب الاسرة لا يعلم يقينا الظروف التي مرت بها عائلته اثناء غيابه، فقد يستثير غضب الزوجة فقدانها لدبوس تحتاجه في لحظة محددة.
في كل الادوار السابقة التي قمنا بها، تبقى معنا قدراتنا ومهاراتنا وخبراتنا ومعارفنا، ونستخدمها كلها للقام باي دور.
القدرات المرنة هي القادرة على التكيف لاعطاء مكانتك التي يفرضها عليك المكان قيمة اضافية عند قيامك بواجبات المكانة التي يستوجبها المكان.
فمثلا عندما نكون في مكانة السائق، نقود السيارة بقدراتنا، فلا نتجاوز تجاوز غير مسموح به، ونعطي الاولوية لغيرنا بترحاب، واذا مررنا بعائق على الطريق ازلناه، واذا صادفنا من يحتاج الى مساعدة ساعدناه، ونعطي الاولوية لمن يحتاجها من الطلاب والاخوات وكبار السن، ونترفع ان الالفاظ غير المناسبة.
وفهم هذا الامر يعلمنا ان نتصرف مع غيرنا بناء على مكانتهم الان. بذلك نحفظ مكانة الناس التي استحقوها من مكانهم وليس مكانتهم عندنا.
لقد مررت بتجربة لطيفة، كان عندي مراسل اثناء خدمتي في وزارة الحكم المحلي، في احد ايام العيد شاهدته مع زوجته واطفاله في السوق، تجاهلني، اوقفت سيارتي سرت نحوه، عانقته وتبادلت معه الحديث ندا بند، وجاملت زوجته واثنيت عليه امام زوجته واطفاله، وقبلت اطفاله وقمت بواجبي تجاه اطفاله.
بعد العيد شكرني جدا ولا يزال يذكر ذلك,
الامر هنا، او الدرس من التجربة انني تعاملت معه بناء على مكانته التي اخذها من مكانه، إن مكانته مع اسرته هي رب الاسرة التي تفتخر وتزهو اسرته به، وانا تعاملت معه رب اسرته، فرفعت مكانته في اسرته.
في الختام:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: أَمرَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنْ نُنزِّلَ الناسَ مَنازلَهُمْ(1).
هذا الحديث يوجهنا الى ان نتعامل مع غيرنا، بمنزلتهم، ولان منزلتهم تتغير بفعل الادوار التي يقومون بها، فان علينا اخذ ذلك بالاعتبار.
من جهة اخرى فان غيرنا سيتعامل معنا حسب منزلتنا، ولاننا نقوم بادوار متنوعة، ومتعددة، فان علينا القيام بكل دور حسب شروطه وقواعده الضابطة لهذا الدور.
بذلك تستقيم حياتنا، وتكون تصرفاتنا اكثر انتاجية في كل دور من ادوار الحياة والعمل، كما اننا نكون اكثر فعالية بعلاقتنا مع غيرنا.
الراوي: عائشة أم المؤمنين، المحدث، الحاكم، المصدر، معرفة علوم الحديث
الصفحة أو الرقم: 96 | خلاصة حكم المحدث :صحيح.