الذكاء الاصطناعي: الأمل التكنولوجي في مواجهة الاحتلال
بقلم عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية متقدمة بل وسيلة يمكنها أن تحمل الأمل للألاف من أبناء شعبنا الذين يعيشون في المناطق المهمشة والمهددة، فهذه المناطق، الممتدة من مسافر يطا في جنوب الخليل إلى الأغوار الشمالية والخان الأحمر، وغيرها هي أماكن يعيش فيها الفلسطيني واقعا شديد القسوة تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، يعاني أهلها من مصادرة الأراضي، وهدم المنازل، والافتقار لبعض الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية، فضلًا عن التهديد المستمر بالتهجير القسري، وهنا، يأتي دور الذكاء الاصطناعي كأداة مبتكرة يمكنها أن تسهم بشكل إنساني ولو بشكل بسيط في تحسين ظروف حياتهم ودعم صمودهم في وجه هذا الارهاب المتصاعد.
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في توثيق الانتهاكات التي يتعرض لها شعبنا بشكل دقيق ومنهجي، الصور والفيديوهات التي تُلتقط بشكل يومي يمكن أن تمر عبر برامج ذكاء اصطناعي متطورة لتحليلها وتحديد الانتهاكات التي تحدث، مثل هدم المنازل أو التعديات على الأراضي، وهذا التوثيق المنظم يمكن أن يُستخدم في المحاكم الدولية مثلا للدفاع عن حقوق الفلسطينيين وفضح ممارسات الاحتلال أمام العالم، وعلاوة على ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في إنشاء منصات إعلامية متخصصة قادرة على إيصال قصص هذه المناطق إلى جمهور عالمي بطرق مؤثرة، مما يضمن أن معاناتهم لا تبقى حبيسة جدران التهميش.
في الزراعة، التي تشكل عصب الحياة في العديد من المناطق الفلسطينية، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون عونا كبيرا للمواطنين هناك، فباستخدام تطبيقات تعتمد على الذكاء الاصطناعي، يمكن تحسين إدارة الموارد مثل المياه والتربة، وزيادة الإنتاجية الزراعية في ظروف صعبة، مثلا، يمكن أن تُستخدم تقنيات تحليل البيانات للتنبؤ بالأحوال الجوية واختيار الأوقات الأنسب للزراعة والحصاد وفي مناطق مثل الأغوار، حيث يعتمد السكان بشكل كبير على الزراعة، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في تعزيز الأمن الغذائي والاقتصادي للمجتمع المحلي.
في ظل غياب الخدمات الأساسية، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسد فجوة كبيرة في التعليم والرعاية الصحية، ففي التعليم مثلا يمكن ذلك من خلال إنشاء منصات تعليمية عبر الإنترنت تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، يمكن للأطفال في المناطق المهمشة الوصول إلى محتوى تعليمي عالي الجودة رغم انقطاعهم عن المدارس أو بُعدها عن أماكن سكنهم، وأما في المجال الصحي، فتطبيقات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تقدم استشارات طبية عن بعد وتشخيصات أولية، مما يخفف من معاناة السكان الذين يضطرون إلى السفر لمسافات طويلة للوصول إلى أقرب مرفق صحي.
الحفاظ على الأرض في مواجهة التوسع الاستيطاني هو معركة يومية يخوضها أبطالنا في هذه المناطق، فيمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي تحليل الصور الجوية والبيانات المكانية لرصد أي تغييرات على الأرض بشكل فوري، مما يساعد اللجان المحلية على التحرك بسرعة لحماية أراضيهم، علاوة على ذلك، يمكن تطوير تطبيقات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتمكين أهلنا هناك من إدارة مواردهم المحلية بشكل أكثر كفاءة، مما يعزز صمودهم في وجه التحديات.
لكن الذكاء الاصطناعي ليس فقط أداة تقنية، بل يمكن أن يكون وسيلة لإبراز القصص الإنسانية التي تحملها هذه المناطق، فباستخدام تقنيات تحليل النصوص وإنتاج المحتوى، يمكن خلق روايات مؤثرة تُبرز صمود الفلسطينيين في وجه الاحتلال، وتصل هذه الروايات إلى الجمهور العالمي بطرق مبدعة، ومثل هذه الجهود يمكن أن تبني شبكة دعم دولية قوية لهذه المناطق وسكانها، مما يعزز من فرصهم في الحصول على التضامن والمساندة.
الذكاء الاصطناعي يمكنه ايضا أن يوفر أنظمة إنذار مبكر للمواطنين لتحذيرهم من أي تهديدات محتملة، سواء كانت تحركات مفاجئة للمستوطنين أو قرارات بهدم منازلهم، وهذا النوع من التكنولوجيا يمكن أن يُحدث فرقا كبيرا في إنقاذ الأهل وتقليل خسائرهم، وفي أوقات الأزمات، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في تنظيم جهود الإغاثة وتوزيع الموارد بشكل عادل وسريع.
إن الحديث عن الذكاء الاصطناعي في هذا السياق ليس رفاهية، بل بات ضرورة ملحة، ففي مواجهة الاحتلال، يصبح التمسك بالأرض والحق في الحياة الكريمة تحديا يوميا، ومع ذلك، يمتلك شعبنا الفلسطيني إرادة صلبة تجعلهم يبحثون عن كل وسيلة ممكنة لتعزيز صمودهم فالذكاء الاصطناعي يمكنه أن يكون جزءا فاعلا في النضال الفلسطيني، لتوفير الادوات التي تمكننا من الصمود والبقاء.
وفي نهاية المطاف، فإن توظيف الذكاء الاصطناعي في المناطق الفلسطينية المهمشة والمهددة ليس مجرد استخدام لتكنولوجيا حديثة، بل هو تعبير عن التزام إنساني تجاه قضية عادلة، فهو وسيلة لتمكين من لا صوت لهم، وإبراز قصصهم للعالم، ودعم حقهم المشروع في الحياة بكرامة على أرضهم وإن هذا النوع من التدخلات يحمل رسالة أمل للمرابطين في أرضهم بأن التكنولوجيا يمكن أن تكون في خدمتهم، تساعدهم على تحدي الظروف الصعبة وتفتح أمامهم أفقا جديدا للحياة والصمود.