طوفان الأقصى" وما أعقبه من تداعيات على المنطقة العربية

أكتوبر 14, 2024 - 09:23
طوفان الأقصى" وما أعقبه من تداعيات على المنطقة العربية

كريستين حنا نصر

شكل السابع من أكتوبر وعملية طوفان الأقصى دون شك، مفاجأة غير متوقعة وصدمة أمنية لإسرائيل، حيث تمّ خلالها إطلاق الآلاف من الصواريخ من قطاع غزة، بالتزامن مع عملية توغل مقاتلين من حركة حماس باستخدام طائرات شراعية، ومن ثم اقتحام الحدود من قبل وحدات مسلحين، اخترقوا الحاجز الحدودي بعد تفجيره، ليدخلوا مقر القيادة الجنوبية، وما يعرف بفرقة غزة التابعة للجيش الاسرائيلي، ورافقت ذلك أيضاً عمليات تشويش إلكترونية على أجهزة اتصال القادة العسكريين، وإثر هذه العملية قتل البعض ونقل البعض منهم أسرى إلى غزة.

إن التوضيح الميداني السابق المختصر يشكل بداية الصراع الذي استمر لما بعد السابع من اكتوبر عام 2023 وحتى اليوم، وتحولت الوقائع إلى حرب طاحنة بين الطرفين في غزة، لتتطور الأمور والأحداث إلى فتح جبهات جديدة، مثل الجبهة الأساسية بعد غزة في جنوب لبنان، وما عرف بمصطلح وحدة الساحات، في كل من سوريا واليمن والعراق ممثلة بفصائل مدعومة من إيران. كل هذه التطورات المتسارعة والمتلاحقة وتداعيات السابع من أكتوبر، تعدت في مدتها الزمنية العام وما يزيد حتى اليوم، إن فتيل الحرب الدائرة ما زال مشتعلاً  والقذائف الصاروخية تحرق الجميع، لقد تحول السابع من أكتوبر وبعد سنة من القتال إلى حرب إقليمية في المنطقة، ونيرانها المستمرة يصعب إخمادها حتى اللحظة.

للأسف ما شهدناه والعالم من نتائج متفاقمة لهذا الصراع، وبشكل خاص في غزة، بما في ذلك ما أصاب الشعب فيها من الدمار والقتل والخسائر الكبيرة من الضحايا بين مفقود وجريح بمن فيهم من مات جوعاً، تؤكد أن الشعب الفلسطيني عانى الكثير وهو الخاسر الأكبر من هذا الصراع الدائر، ومن الناحية العسكرية فقد حددت واعلنت إسرائيل هدفها وهو القضاء على حركة حماس خاصة قدراتها العسكرية في قطاع غزة، وبشكل يضمن في المستقبل عدم تشكيلها خطراً على الأمن القومي الأسرائيلي، وتحديداً على المستوطنات فيما يعرف بغلاف غزة، يضاف إلى هذه الأهداف الإسرائيلية السعي نحو إعادة المختطفين الإسرائيليين وعودة السكان إلى مساكنهم، وهو الهدف ذاته المراد من الصراع أيضاً مع حزب الله والمنطقة الحدودية الشمالية.

 يوم السابع من أكتوبر 2024م، والذي يصادف ذكرى عام على الصراع، شهد بعث رسائل واضحة تمثلت بما شاهدناه من موجة قصف صاروخي من قبل حركة حماس لإسرائيل، ارتبطت من حيث توقيتها ودلالاتها بقصف صاروخي متزامن أيضاً مصدره جنوب لبنان واليمن وسوريا، وبشكل يُفيد باستمرار هذا الصراع. وفيما يتعلق بالوضع السياسي والعسكري للصراع مع إسرائيل، من الواضح أن بعض أهداف إسرائيل قد تحققت في غزة، إضافة لقتل بعض القادة العسكريين لحماس مثل الشهيد اسماعيل هنية، وتدمير مناطق شاسعة في قطاع غزة، ومن جهة الصراع المحتدم في جنوب لبنان، فقد قتل بعض قادة وحدة الرضوان وصولاً الى اغتيال القائد العام لحزب الله إلى جانب استشهاده مع غيره أيضاً، وقد اعلنت إسرائيل أن هدفها هو القضاء على المسلحين المقاومين على حدودها الشمالية، والقضاء على قدراتهم العسكرية القتالية، والعمل على إنشاء منطقة خالية من السلاح، إلى جانب تطبيق القرار الأممي رقم (1701)، ومع كل هذه الاغتيالات والدمار الكبير، الا أن من الواضح بأن الصراع مستمر حتى بعد عام من القتال، ويبدو جلياً اليوم أن التهدئة غائبة عن هذا الصراع، ووحدة الساحات مستمرة بل أننا دخلنا عملياً الى وضع متطور من الحرب يغلب عليه اتساعها لتشمل البلدان المجاورة، ومن ملامحها الاستخدام الأكبر للصواريخ والمقاتلين، ودخول مرحلة الاجتياح البري للجيش الاسرائيلي لجنوب لبنان، وما رافق هذه التطورات من مشاهد القتل والدمار والتهجير في لبنان، بصورة تشبه ما حدث في غزة إلى حد ما، ومؤخراً نلمح اشتعال أوسع للجبهة السورية وبصورة أكبر من الحروب الداخلية التي تعاني منها أصلاً، بما في ذلك اشتعال أبرز للمنطقة الموازية للجولان، كما توسعت الحرب في العراق، وشمل ذلك ضرب الميليشيات الإيرانية لاهداف في إسرائيل، وبالتالي يمكن القول ومن خلال خارطة الصراعات أن الوضع الأمني تفاقم بعد السابع من أكتوبر وتحول إلى صراع دموي إقليمي في المنطقة، والسؤال الذي يفرض نفسه على واقعنا اليوم هو إلى أين تتجه الأوضاع؟ وما هي تداعيات وأبعاد هذا الصراع المشتعل بين المقاومة وما عرف بوحدة الساحات من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى وبصورة تشهد قصف صاروخي لا يتوقف؟

 ولقد تزامنت ذكرى السابع من أكتوبر مع خطاب المرشد الأعلى الإيراني الخامنئي وخطبة الجمعة في طهران، وقد اشتمل الخطاب على قسمين باللغتين الفارسية والعربية قاصداً من ذلك مخاطبة الشعوب العربية، وقد شدد في خطابه على حق حزب الله في الدفاع عن غزة، قائلاً :" قاتلوا العدو المعتدي وافشلوه.."، وأشاد فيه بزلزال السابع من أكتوبر، وحث اللبنانيين ( حزب الله) والفلسطينيين على القتال ومواصلة حرب الإسناد.

 وأعتقد أن حرب الإسناد والمساندة تريد اليوم من يساندها بسبب الظروف الصعبة التي تمر بها، وأوضح المرشد كذلك "أنه كله إيمان بأن النصر قادم"، ولكن للأسف الشعبان في غزة وجنوب لبنان لا تتوفر لهما المقومات الأساسية فهم يفترشون العراء ولا يجدون الطعام، ولا المأوى والعلاج اللازم، والنازحين في الضاحية الجنوبية دمرت بيوتهم، وتحولت إلى ركام من اسمنت وحديد، للأسف الشراكة اتضحت بأنها في المكاسب والأرباح فقط مع وحدة الساحات، ولا تتضح أبداً الشراكة في الخسائر والضحايا والدماء التي كانت بشكل خاص في البلدان العربية ومن الدم العربي.

وقال المرشد أيضاً في خطابه:" ازالة الكيان الملطخ بالعار من ساحة الوجود"، لكن وبكل واقعية وحسب النتائج وبعد سنة من الصراع الدائر، نلاحظ أن القوة العسكرية بين المليشيات من جهة وإسرائيل المدعومة بقدرات عسكرية من عدة دول من جهة أخرى، واضحة ولا تحتاج شرح خاصة مع ما نشاهده من دمار في لبنان وغزة، وبالطبع هذه الحالة الميدانية المؤلمة لا تشمل إيران نفسها والتي اقتصرت على ضربات صاروخية بين الفينة والأخرى، وللأسف الشعب العربي يقاتل ولا يعرف على وجه التحديد إلى أين سيكون مصيره ومستقبله الراهن، وما لاحظناه من حدة في خطاب المرشد الخامنئي وضعت المنطقة في وضع بعيد عن أي حل سياسي، يمكن أن يساعد في إخماد النيران المتقدة، ولا يساهم أيضاً في إنقاذ الأرواح  من العرب في وحدة الساحات والتي نفقدها كل لحظة، والسؤال الذي يتكرر هو هل نحن العرب نعرف الى أين يتجه مستقبلنا ومستقبل منطقتنا والتي تتضح بوادرها المستقبلية من القتل والدمار البالغ في لبنان وسوريا والعراق واليمن؟ فإلى أين تتجه بلداننا العربية؟ بينما نجد أن الآخرين يفاوضون لكسب المصالح وحمايتها، دون تعريض بلدانهم للدمار والتخريب، مثل مصالح إيران ومفاوضاتها مع أمريكا والمرتبطة بالملف النووي وما يتصل به من مبالغ مالية مترتبة لإيران، إن المشكلة هنا وبعد السابع من أكتوبر باتت واضحة، وتتصل بمدى إدراكنا في البلاد العربية لواقع توازن القوى في هذه الحرب، وما خلفته من دمار في مدننا وبلداننا العربية وبكل أسف.

الصراع الحالي إلى أين؟ وما مستقبل الشرق الأوسط وتحديداً في هذه الحرب الطاحنة المستمرة، فهل سيستمر السابع من أكتوبر لسنوات أخرى قادمة، وإذا استمر فما هي نتائجه على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية في بلداننا العربية والتي لم تستفد أو تنتصر حتى الآن، وهو ما يدفعنا لسؤال آخر وهو هل سننتصر أم سنخسر؟ وما تداعيات النجاح أو الفشل علينا؟ وإن انتصرنا فما هو مستقبل المدن المدمرة بفعل الحرب كما هو الحال في سوريا ولبنان واليمن؟

إن الوضع الجيوسياسي المتأزم حالياً في منطقتنا، يضعنا أمام سؤال مهم وهو هل ستبقى الأوضاع متأزمة، وهل حقاً نشهد اليوم مرحلة تغيير النفوذ أم مرحلة تغيير الخرائط على الأرض حدودياً وسياسياً واقتصادياً. لا شك أن الإجابة عن هذه الأسئلة ستحمل إجابتها الأيام القادمة، فهي وحدها الكفيلة بتوضيح النتائج استناداً لما ستتركه الصراعات على أرض الواقع وفي الميدان العسكري.