الحوكمة الرقمية.. رافعة نحو التنمية المستدامة في التعليم العالي الفلسطيني
سارة محمد الشماس
تشهد مؤسسات التعليم العالي اليوم تحولات كبيرة نتيجة للتطورات السريعة في التكنولوجيا والاتصالات، ما يجعل التكيف مع هذه التغيرات ضرورياً لضمان استدامتها وتحسين أدائها. الحوكمة الرقمية تمثل مفهوماً حديثاً يسعى إلى استخدام التكنولوجيا لتعزيز الشفافية والكفاءة، وبالتالي تحسين الأداء المؤسسي، ومن هذا المنطلق، تُعد الحوكمة الرقمية أداة أساسية في تحقيق التنمية المستدامة، خاصة في سياق مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية التي تواجه العديد من التحديات.
الحوكمة الرقمية تُعرف بأنها استخدام التكنولوجيا الرقمية في عمليات اتخاذ القرار والتفاعل مع المجتمع، بهدف تعزيز الشفافية والمشاركة والنزاهة التي تسهم هذه الممارسات في تحسين جودة الخدمات المقدمة، وقد اكتسبت الحوكمة الرقمية شهرة في مختلف القطاعات، بما في ذلك التعليم العالي، حيث تلعب دوراً حيوياً في تحسين الأداء الأكاديمي والإداري.
وفي ظل الضغوطات الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة، أصبحت الاستدامة ضرورة مُلحة، حيث تُعرف التنمية المستدامة بأنها الاستخدام الأمثل للموارد لضمان رفاهية الأجيال الحالية والمستقبلية، ويمكن للجامعات أن تلعب دوراً محورياً في تحقيق هذه التنمية من خلال دمج مفاهيم الاستدامة في مناهجها الدراسية وأبحاثها، وهنا تأتي أهمية الحوكمة الرقمية التي توفر الأدوات اللازمة لتعزيز الشفافية في العمليات الأكاديمية وتحسين جودة التعليم.
تشير الدراسات الحديثة إلى أن تطبيق الحوكمة الرقمية يسهم بشكل كبير في تحسين مخرجات التعليم و من خلال تحسين إدارة المعلومات وتعزيز التواصل بين الأطراف المعنية، يمكن للجامعات توفير تجربة تعليمية أفضل للطلاب. كما تساهم الحوكمة الرقمية في ربط المخرجات التعليمية بمتطلبات سوق العمل، مما يزيد من فرص توظيف الخريجين ويعزز تنافسية الجامعات.
في السياق الفلسطيني، تُعد الحوكمة الرقمية خطوة مهمة نحو تحسين المخرجات التعليمية وتحقيق التنمية المستدامة. ويمكن للمؤسسات التعليمية الفلسطينية، من خلال تبني استراتيجيات رقمية متقدمة، أن تواكب التطورات العالمية وتساهم في بناء مجتمع معرفي قادر على مواجهة تحديات العصر ولتحقيق ذلك، يتعين على الجامعات الفلسطينية الاستثمار في تطوير بنية تحتية تكنولوجية قوية وتعزيز ثقافة الحوكمة الرقمية بين أعضاء هيئة التدريس والطلاب.
وبالرغم من الفوائد العديدة التي توفرها الحوكمة الرقمية، فإن الجامعات الفلسطينية تواجه تحدياتٍ كبيرة تحُول دون تطبيقها بشكل فعال، وتشمل هذه التحديات نقص الثقافة المؤسسية، قصور الإدارة، والافتقار إلى البنية التحتية التكنولوجية الملائمة، هذه العوائق تعيق قدرة المؤسسات التعليمية على تحسين مخرجات التعليم وتعزيز التنمية المستدامة. لذا، من الضروري العمل على تخطي هذه التحديات من خلال تعزيز الوعي المؤسسي، وتوفير التدريب اللازم لأعضاء هيئة التدريس والإداريين، والاستثمار في التكنولوجيا المناسبة.
وتهدف الحوكمة الرقمية إلى تحسين جودة التعليم من خلال خلق بيئة تعليمية فعالة وزيادة المساءلة بين المشاركين في العملية التعليمية، كما تسعى إلى تحسين الكفاءة وتقليل النفقات وتعزيز التواصل بين الجامعات والمجتمع وتتنوع أهداف الحوكمة الرقمية بين تلبية احتياجات الطلاب والمجتمع الخارجي وتحقيق الشفافية والفعالية في العمليات الإدارية الداخلية. من بين الأهداف الرئيسية توفير فرص للتطوير والتجديد، خفض التكاليف والمخاطر التقنية، وتعزيز الشفافية والمساءلة. كما تسهم الحوكمة الرقمية في تسريع الربط والتنسيق بين الأنشطة الجامعية، وزيادة دقة البيانات والإنتاجية، مما يرفع من كفاءة العاملين ويدعم النمو الاقتصادي عبر نشر المعرفة بتكنولوجيا المعلومات.
في الختام، يعد تطبيق الحوكمة الرقمية أحد الحلول الفعالة لتعزيز التنمية المستدامة في مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية، إذ يساهم في تحقيق الشفافية والكفاءة وتحسين الأداء الأكاديمي والإداري. ومن خلال تطوير استراتيجيات فعالة لتطبيق الحوكمة الرقمية، يمكن لهذه المؤسسات مواجهة التحديات الحالية وضمان تحقيق أهدافها التنموية، ويُعد هذا التوجه أساسياً لبناء مجتمع معرفي يتناسب مع متطلبات العصر، حيث تتطلب التنمية المستدامة في الجامعات تحقيق التوازن بين التقدم الاجتماعي والاقتصادي والحفاظ على البيئة، إذ تتجلى أبعادها الثلاثة في البعد البيئي الذي يسعى للحفاظ على الموارد الطبيعية، والبعد الاجتماعي الذي يعزز جودة التعليم والمساواة، والبعد الاقتصادي الذي يدعم رأس المال البشري ويعزز النمو الاقتصادي. ومن خلال دمج هذه الأبعاد في استراتيجيات التعليم العالي، تسعى الجامعات إلى مواكبة التغيرات العالمية والمساهمة بفاعلية في تحقيق التنمية المستدامة.