الصمت الدولي على جرائم الإبادة.. رسائل خاطئة للقَتَلة لمواصلة الـمَقتَلَة

سبتمبر 1, 2024 - 18:44
الصمت الدولي على جرائم الإبادة.. رسائل خاطئة للقَتَلة لمواصلة الـمَقتَلَة

يكشف الصمت الدولي إزاء حرب الإبادة التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة حقيقة الهيمنة الأمريكية التي تجعل العالم عاجزاً عن اتخاذ أي خطوات فعالة لوقفها أو تنفيذ القوانين الدولية على المجرمين الإسرائيليين.
وقال كتاب ومحللون سياسيون وأساتذة جامعات في علم السياسة، في أحاديث منفصلة لـ"ے"، إن اللوبيات المؤيدة لإسرائيل تلعب دورًا كبيرًا في إسكات أي انتقاد، وتؤثر في السياسة والإعلام في الغرب، مشيرين إلى أن الصمود الفلسطيني والتشبث بالمطالب قد يُجبران العالم على تغيير موقفه.
وشدد الكتاب والمحللون على أهمية الضغوط الشعبية وتحرك المجتمع المدني في دول العالم في دفع حكومات تلك الدول لتحمل مسؤولياتها، بما في ذلك فرض عقوبات على إسرائيل.
وأشاروا إلى أن القضية الفلسطينية عادت إلى لواجهة بفضل مشاهد الإبادة في غزة وما يتعرض له المواطنون من قتل وتشريد وتجويع وتدمير لبناه التحتية وبيوته ومؤسساته وغير ذلك الكثير، مما قد يؤدي في النهاية إلى تحرك شعبي يغير المعادلات السياسية.




هزيمة إسرائيل هزيمة لفكر الاستعمار

وقال الكاتب والمحلل السياسي د. أحمد رفيق عوض أن المشروع الصهيوني التوراتي يعد الأكثر تقدماً وترسخاً في المنطقة، مدعوماً بشكل واسع من قِبل الغرب الاستعماري، حيث أن هذا المشروع يتقدم بشكل عدواني وعنيف، فارضاً شروطه على المنطقة، خاصة بعد مرور عام على العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني.
وأشار عوض إلى أن الصمت الدولي على الجرائم الإسرائيلية له عدة أسباب جوهرية أهمها أن الغرب الاستعماري يرى في بقاء دولة الاحتلال قوة مسيطرة، وأن هزيمتها ستعني هزيمة لفكر الاستعمار ذاته، ما يجعله غير مستعد لقبول أي هزيمة لإسرائيل، كما أن هناك أسباباً دينية تدعم هذا الصمت، حيث يوجد فكر لاهوتي يقول "بعدم اكتمال المسيحية إلا باكتمال اليهودية".
ووفقاً لعوض، هناك رؤى غربية في أوروبا وأمريكا تدعم إقامة دولة إسرائيل وبناء الهيكل، لأن ذلك يُعدّ تمهيداً لنزول المسيح وتحقق نبوءات الإنجيل، ما يعني أن دعم إسرائيل ليس فقط لأسباب استعمارية، بل لأسباب ثقافية ودينية أيضاً.
ولفت عوض إلى أن اللوبيات المؤيدة لإسرائيل تلعب دوراً كبيراً في إسكات أي انتقاد لها، وخاصة في أوروبا وأمريكا.

السيطرة على وسائل الإعلام لتكميم الأصوات المعارضة

وحسب عوض، فإن هذه اللوبيات تعمل على تعزيز دعم إسرائيل من خلال السيطرة على وسائل الإعلام التي تُكمم أي صوت معارض، وتبرز الأصوات المؤيدة، كما أن السياسة في الغرب محكومة بالمال والشهرة، وكذلك الجامعات ومراكز الأبحاث تميل لدعم إسرائيل، في حين أن المؤسسات المالية تعمل على تدمير من يتجرأ على انتقادها، وإضافة إلى ذلك هناك مصالح اقتصادية مرتبطة بشركات الأسلحة التي تستفيد من الصراع في المنطقة، وتستخدم إسرائيل كوسيلة لتسويق منتجاتها من خلال تجربتها على الفلسطينيين.
وأكد عوض أن هذا الصمت الدولي له ثمن باهظ، مشيراً إلى أنه حتى أعضاء الكونغرس الأمريكي لا يجرؤون على انتقاد إسرائيل خوفاً من خسارة دعمهم المالي والسياسي، وهو ما يعكس تأثير اللوبيات على الديمقراطيات الغربية، حيث يتم شراء الدعم والتبرعات.

صمت النظامين العربي والإسلامي وهزيمتهما

وأوضح عوض أن صمت النطامين العربي والإسلامي، وهزيمتها، وعدم وقوفهما ودعمهما للفلسطينيين، تغذي الصمت العالمي أيضاً.
ويرى عوض أن التوجه للغرب لتعريفه بالحقوق الفلسطينية مهم، لكنه ليس الأساس، إنما الأهم هو الصمود والثبات على المطالب، وتقديم التضحيات من أجل القضية الفلسطينية.
وأكد عوض أنه عندما يرى العالم هذا الصمود، فسيضطر لتغيير موقفه، خاصة إذا تضررت مصالحه، مشدداً على أن طلب الشفقة من الأعداء ليس مجدياً، كما أن العداء بين العرب والغرب الاستعماري سيبقى قائماً بسبب ما يعتقده من وجود الفروقات الثقافية العميقة.


بيانات التنديد.. إجراءات شكلية لرفع الحرج

بدورها، قالت الكاتبة والمحللة السياسية نور عودة: إن المشكلة الأساسية ليست في صمت المجتمع الدولي تجاه حرب الإبادة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، خصوصًا في قطاع غزة، وإنما في غياب الإرادة السياسية لوقف هذا العدوان.
وأشارت عودة إلى أن البيانات الدولية التي تصدر أحيانًا للتنديد أو التعبير عن القلق تجاه الجرائم المرتكبة ليست سوى إجراء شكلي يُستخدم لرفع الحرج عن تلك الدول، في حين تستمر الجرائم الإسرائيلية دون أي محاسبة أو ردع فعلي.
وترى عودة أن المطلوب هو تفعيل دور المجتمع المدني، إلى جانب الضغوط السياسية والشعبية، لدفع الحكومات إلى تحمل مسؤولياتها بموجب القانون الدولي.
ووفق عودة، فإن هذا يشمل فرض عقوبات على إسرائيل، ووقف تصدير الأسلحة إليها، ومحاكمة المسؤولين عن الجرائم، خاصة أولئك الذين يحملون جنسيات مزدوجة.
وأكدت عودة أن" إسرائيل لن تتوقف عن ممارساتها الإجرامية إلا إذا أصبح استمرار هذه الجرائم مكلفًا لها على المستويات كافة، ما يستدعي تحركًا دوليًا جادًا يتجاوز مجرد التصريحات إلى إجراءات فعلية ومؤثرة".

الهيمنة الأمريكية ومنطق المصالح

من جانبه، أوضح د. رائد أبو بدوية، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في الجامعة العربية الأمريكية، أن المجتمع الدولي يعاني من عجز واضح في التعامل مع ما يجري في الأراضي الفلسطينية، على الرغم من صدور تصريحات صحفية وقرارات أممية، بما في ذلك تلك الصادرة عن المحاكم الدولية.
ويرى أبو بدوية أنه "بالرغم من المواقف الدولية الرافضة للجرائم التي يقوم به الاحتلال الإسرائيلي، فإن هناك حالة من العجز الدولي أمام تلك الجرائم، والسبب في ذلك يعود إلى الهيمنة والدعم الأمريكيَّين المستمريَّن لإسرائيل، حيث يدرك الجميع أن أهم مصالحهم مرتبطة بالولايات المتحدة، ولا أحد يستطيع فعل شيء فاعل ضد إسرائيل".
وأكد أبو بدوية أن "الأحداث التي شهدتها الأراضي الفلسطينية بعد السابع من أكتوبر كشفت ضعف المجتمع الدولي وعجزه أمام الجرائم التي يقترفها الاحتلال الإسرائيلي".

تداعيات خطيرة على استقرار الشرق الأوسط والعالم

وأشار إلى أن الصمت الدولي حيال هذه الأحداث يحمل في طياته تداعيات خطيرة على استقرار منطقة الشرق الأوسط وعلى العالم بأسره، موضحاً أن هذا الصمت أدى إلى تصاعد أعمال المقاومة في الأراضي الفلسطينية، ووضع منطقة الشرق الأوسط على حافة الانهيار، مشيرًا إلى أن الوضع الحالي خلق حالة من الانقسام داخل دول العالم، خاصة في أوروبا، حيث بدأت تظهر مواقف داعمة للاعتراف بدولة فلسطين، إضافة إلى الانقسامات داخل الإدارة الأمريكية وداخل الحزب الديمقراطي.
وفي ما يتعلق بتأثير هذا العجز على المؤسسات الأممية، حذر أبو بدوية من أن هذا الصمت قد يؤدي إلى تهميش هذه المؤسسات وفقدان الثقة بها لدى دول العالم.
وشدد أبو بدوية على أنه يتعين على الفلسطينيين والعرب وكل مناصري القضية الفلسطينية أن يتحركوا دبلوماسياً، خصوصاً بعد انتشار الرواية الفلسطينية وتعزيزها جراء ما يجري من حرب الإبادة، داعياً إلى تشكيل تكتل دولي حقيقي يسعى لاتخاذ إجراءات فعالة ضد إسرائيل.

سفارات عربية مفتوحة في تل أبيب

وشدد الكاتب والمحلل السياسي عماد موسى على أن الرهان على المجتمع الدولي لحل الأزمة هو رهان عقيم، مشيرًا إلى أن الضغط الحقيقي يجب أن يأتي من الداخل الفلسطيني والعربي.
وتساءل موسى عن دور الدول العربية والإسلامية، خاصة تلك التي لا تزال تحافظ على علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، حيث ظلت سفاراتها مفتوحة في تل أبيب، بالرغم من الجرائم الإسرائيلية المستمرة، ومع ذلك لا بد من حشد الدعم والتظاهر الدوليَّين والضغط على الحكومات لاتخاذ مواقف حازمة وإجراءات ضد حكومة نتنياهو، وذلك لوقف الحرب.
ويرى أن العالم العربي والإسلامي يبدو عاجزاً بمواقفه الرسمية، إلا أن التحرك الشعبي قد يُجبر هذه الحكومات على التغيير.
وأشار موسى إلى أن العالم اليوم ليس صامتًا، لكنه يتحرك ببطء وبشكل تدريجي نتيجة التعقيدات المرتبطة بالتطور الديمقراطي في الغرب.
وأوضح موسى أن "الرهان على الرأي العام أو المجتمع الدولي لتحقيق تغيرات فورية هو رهان غير فعال، وبدلاً من ذلك يجب أن يتم التركيز على توحيد الموقف الفلسطيني وتعزيز الصمود والثبات على الأرض، حيث إن هذا النوع من الوحدة والصمود قد يجبر العالم على التدخل الفوري لوقف العدوان".

إسرائيل قاعدة عسكرية نموذجية للغرب في المنطقة

وفي إشارة إلى الدعم الغربي لإسرائيل، أكد موسى أن هذا الدعم يأتي نتيجة رؤية الغرب لإسرائيل كقاعدة عسكرية نموذجية في المنطقة، يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في المواجهة بين الغرب وروسيا والصين.
وأكد أن الغرب قد اتخذ أقصى العقوبات ضد روسيا بسبب حربها على أوكرانيا، بما في ذلك الدعم المالي والسياسي والعسكري المكثف، والتوسيع التاريخي لحلف الناتو لمواجهة التهديدات المشتركة.
وأشار موسى إلى أن أي صوت في أوروبا يطالب بوقف العدوان أو يدعم غزة يتعرض لأقصى العقوبات، ما يبرز حجم التحيز الغربي لصالح إسرائيل.
وشدد موسى على أن المطلوب الآن هو تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، ودعم خروج شعبي في الضفة الغربية، بما فيها القدس، ومناطق 1948، بالتوازي مع تحرك جماهيري في العالم العربي، للتعبير عن رفض الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني.
وأشار إلى أن هذا التحرك الشعبي المتزامن في الداخل الفلسطيني والدول العربية سيكون له تأثير كبير على المواقف الدولية، وقد يجبر العالم على اتخاذ إجراءات فعلية لوقف العدوان الإسرائيلي.


صمت رسمي وتحركات شعبية وطلابية متزايدة

من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي فراس ياغي: إن هناك صمتاً رسمياً تجاه حرب الإبادة التي تُمارَس ضد الفلسطينيين، لكن بالرغم من ذلك توجد تحركات شعبية وطلابية متزايدة في أوروبا، وقد تزداد حدة الاحتجاجات في عدد من الجامعات الأمريكية خلال الفترة المقبلة.
ورأى ياغي أن هذه الأصوات قد ترتفع بشكل أكبر لدعم القضية الفلسطينية، منتقداً بشدة الصمت الدولي المريب وغير المسبوق تجاه حرب الإبادة، مؤكداً أن الولايات المتحدة تلعب دوراً رئيسياً في هذا الصمت.
وأوضح أن سيطرة الولايات المتحدة على المجتمع الدولي تمكنها من حماية إسرائيل بشكل فعال، ومنحها الوقت الكافي لتحقيق أهدافها، بغض النظر عن الضحايا المدنيين من النساء والأطفال.
ولفت ياغي إلى أن التاريخ الأمريكي مليء بجرائم دموية، مثل قتل أكثر من مليون عراقي وتدمير العراق وأفغانستان، وقبل ذلك في فيتنام، مشيراً إلى أن هذه الأعمال تُنفذ عادة من دون مراعاة المسائل الإنسانية، بعكس ما يتم التحدث عنه فقط في الإعلام.

إسرائيل تنتهك القانون الدولي في الضفة

ويرى ياغي أن ما يجري في الضفة الغربية هو انتهاك للقانون الدولي، مشيراً إلى أن الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة غير شرعي، وبالتالي لا يحق لإسرائيل الادعاء بحق الدفاع عن النفس.
وأوضح أن الولايات المتحدة والدول الدائرة في فلكها، سواء أكانت عربية أم أوروبية، هي المسؤولة عن هذا الصمت، إذ بإمكان الاتحاد الأوروبي اتخاذ قرارات لتحريك المجتمع الدولي، لكن انعدام الإجماع بين دوله يمنع ذلك.
ودعا ياغي الفلسطينيين إلى التوحد تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية وفقًا للشرعية الدولية، وحث العالم العربي والإسلامي على استغلال إمكاناته للضغط على الولايات المتحدة وأوروبا.
وشدد ياغي على أنه دون تحرك هذه الدول والأنظمة العربية لن يكون هناك تحرك دولي حقيقي، ولن تتخذ الولايات المتحدة أي خطوات ما لم تشعر بأن مصالحها في المنطقة مهددة.
وأشار إلى أن هناك رهانًا غير مسبوق على دماء الفلسطينيين ومأساة الشعب الفلسطيني، لكن الحل يكمن في تطبيق قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بحل الدولتين، حتى لو كان هذا الحل مرفوضًا من إسرائيل.
ودعا ياغي المجتمع الدولي إلى اتخاذ قرارات تُجبر إسرائيل على الانسحاب من الأراضي المحتلة في قطاع غزة، والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.

المجتمع الدولي قسمان

أما د. سعد نمر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بير زيت، فقال: إن المجتمع الدولي منقسم إلى قسمين، قسم تمثله الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، وهو قسم منحاز لإسرائيل بشكلٍ فاضح، وقسم آخر ممثل بالقوى الكبرى مثل الصين وروسيا والهند وإيران، وهو يقف عاجزًا أمام الهيمنة الأمريكية وسياسات الدول الأوروبية ذات العقلية الاستعمارية.
وأوضح نمر أن "هذه الدول التي مارست الاستعمار عبر التاريخ، لا تزال تدافع عن إسرائيل الدولة الاستعمارية، التي تمثل المصالح الاستراتيجية لتلك الدول، ما يجعلها غير مستعدة لاتخاذ أي خطوات جادة ضد الإبادة التي تمارسها إسرائيل في فلسطين".
ورأى أن "الموقف الدولي سيبقى كما هو، دون رد فعل حقيقي تجاه ما يجري، خصوصاً من جانب الدول ذات النفوذ الكبير، مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، التي تتمتع بمقاعد دائمة في مجلس الأمن"، مشيراً إلى أن روسيا والصين، وهما أيضًا عضوان دائمَين في مجلس الأمن، منشغلتان بقضايا أخرى؛ فروسيا منهمكة في حربها مع أوكرانيا، فيما تتبع الصين نهجاً مختلفاً، يبتعد عن المواجهات العسكرية ويميل إلى الحلول السلمية، ما يفسر الصمت الدولي تجاه حرب الإبادة الإسرائيلية في فلسطين".

تغييرات كبيرة فلسطينية وإسرائيلية ودولية بعد 7 أكتوبر

ويرى نمر أن الهجوم الذي وقع في السابع من أكتوبر أوجد تغييرات كبيرة على مستوياتٍ عدة؛ داخلية فلسطينية، وإسرائيلية، وإقليمية، ودولية.
وبالرغم من ذلك، يرى نمر أن هذه التغيرات لن تكون سريعة أو مباشرة، وهو ما يفسر الصمت المريب من قبل المجتمع الدولي تجاه ما يحدث في فلسطين.
وأشار إلى أن "الشعوب العالمية بدأت في كسر حاجز الصمت من خلال التظاهرات والحراك الشعبي، مع توقعات بأن تشهد الجامعات والطلاب موجة جديدة من الاحتجاجات بعد العودة إلى الدراسة في أيلول الجاري".
وقال نمر: على الرغم من هذه التحركات، لكنها قد لا تُحدث تغيراً فورياً، فهناك عاملان يسهمان في إحداث التغيير على المدى الطويل: العامل الأخلاقي، الذي يتجسد في المسؤولية الأخلاقية للجماهير عبر التظاهرات، والعامل القانوني، الذي يتمثل في المحاكم والمؤسسات القانونية الدولية.
ويرى نمر أن "العالم سيتغير في المستقبل لصالح فلسطين، لكن هذا التغيير يحتاج إلى وقت وجهد، ولن يكون فورياً أو سريعاً"، مطالباً باستمرارية الحراكَ ين الشعبي والدولي لتحقيق العدالة للفلسطينيين.

اللوبيات الصهيونية والصناعات العسكرية والتكنولوجية

بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي عدنان الصباح: إن السبب الرئيسي وراء الصمت الدولي تجاه الجرائم الإسرائيلية والإبادة بحق الشعب الفلسطيني يكمن في هيمنة المصالح المادية على العلاقات بين الشعوب والدول، متجاوزةً القيم والأخلاق والمبادئ الإنسانية.
وأوضح الصباح أن الشعب الفلسطيني، كونه شعباً صغيراً، لا يمثل مصلحة استراتيجية أو اقتصادية كبيرة للعالم، فيما اللوبيات الصهيونية تشكل قوة مؤثرة في العالم، حيث تسيطر على أهم الصناعات العسكرية والتكنولوجية والمالية، ما يجعلها محور المصالح العالمية، ونتيجةً لذلك يغض العالم الطرف عن جرائم الاحتلال، ويكتفي بالاستنكار اللفظي دون اتخاذ أي إجراءات فعلية لوقف ما يحدث.
وأشار الصباح إلى أن الخطاب الدولي المتعلق بحرب الإبادة الحالية يركز بشكل غير متوازن على قضية المحتجزين الإسرائيليين، متجاهلاً تماماً المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني.
ولفت الصباح إلى أن هؤلاء المحتجزين باتوا يحتلون مركز الاهتمام الدولي، متفوقين في الأهمية على مجمل الأحداث الدامية التي تجري في فلسطين.

تراجع القيم الإنسانية المشتركة

ورأى الصباح أن الصمت الدولي ناجم عن التغيرات الجذرية التي طرأت على العالم، فلم تعد هناك وحدة إنسانية أو قومية أو دينية كما كانت في السابق، إذ تراجعت القيم المشتركة بين البشر لتحل محلها المصالح الفردية والمادية.
وأكد أن العالم أصبح أكثر انعزالاً وانفصالاً عن الواقع، متأثراً بالتكنولوجيا والعالم الافتراضي، حيث يمكن أن تبدو الأحداث الجارية بالنسبة له كأنها غير حقيقية، ما يؤدي إلى ضعف المشاعر الإنسانية والعلاقات الحقيقية.
ويرى الصباح أن "الحل للخروج من هذا الصمت الدولي يكمن في إعادة إحياء الروح الإنسانية وروحانيات الإنسان، والتخلص من الهيمنة المادية على العلاقات بين الشعوب والدول".

متجهون نحو الكارثة

وشدد الصباح على ضرورة وجود جهد إنساني جماعي حقيقي يفرض على العالم إعادة النظر في القيم الإنسانية واستعادة الوحدة البشرية، وإلا فإن البشرية قد تتجه نحو كارثة محققة، حيث ستغيب الوحدة في مواجهة القضايا المصيرية.
ومن وجهة نظر الصباح، فإن "العالم بحاجة ماسة إلى تغيير جذري في رؤيته وتعاملاته، بحيث يتم إحياء القيم الإنسانية كأساس للعلاقات الدولية، وإلا فإن الوضع الحالي سيستمر في الانحدار نحو المزيد من الانقسام واللامبالاة والبُعد عن الواقع، ما سيؤدي في النهاية إلى تدمير الروابط الإنسانية الأساسية التي يمكن أن تحُول دون وقوع كوارث أكبر في المستقبل".


أهمية القضية الفلسطينية

ويرى الكاتب والمحلل السياسي سليمان بشارات أن القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية إقليمية، بل تمثل محركاً لإحياء الوعي الجماهيري والشعبي في العالم العربي والإسلامي.
وأكد بشارات أن "هذا الإحياء قد لا يكون فورياً، بل يبدأ بتنمية الوعي الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى تحرك شعبي وجماهيري يتصدى للقضايا المصيرية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية".
وأشار بشارات إلى أن تجربة الشعوب العربية والإسلامية مع القضية الفلسطينية تعود إلى عام 1948، عندما كانت المواقف الشعبية واضحة في رفض الاحتلال الإسرائيلي، لكن على الرغم من ذلك، لم تتمكن هذه الشعوب من تحرير فلسطين، بالرغم من وجود العديد من الفرص".
وأوضح بشارات أن "هذا العجز يعود إلى عوامل عدة، منها ارتباط التضامن الشعبي بالقضية الفلسطينية بالبعد الثقافي، للشعوب العربية والإسلامية التي تفضل عدم التدخل في شؤون خارج حدودها الجغرافية، لكن هذا التوجه الثقافي لا يعني غياب التضامن تماماً، فقد كانت هناك عبر التاريخ موجات دعم من الشعوب العربية والإسلامية للثورة الفلسطينية، وكانت هذه الشعوب مصدرًا لتمديد الصمود الفلسطيني بطرق مختلفة".

ضعف دعم الشعوب العربية والإسلامية لغزة

وأشار بشارات إلى أن "أحد الأسباب الرئيسية لعدم دعم الشعوب العربية والإسلامية لغزة بالشكل المطلوب في الآونة الأخيرة هو التأثير السلبي الذي تعرضت له الدول العربية الكبرى بعد أحداث "الربيع العربي" في 2011، وهذه الأحداث، التي لم تحقق التغيير المنشود، أسهمت في إضعاف الاهتمام الشعبي بالقضايا الكبرى، بما في ذلك القضية الفلسطينية، كما أن الانقسام السياسي الفلسطيني، المستمر منذ 17 عاماً، أسهم في تبرير بعض المجتمعات العربية ابتعادها عن القضية الفلسطينية، وأدى إلى انقسامات داخلية حولها".
ولفت بشارات إلى عامل آخر مهم جداً أدى إلى تراجع الدعم والصمت الدولي تجاه فلسطين، وهو هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على الساحة العالمية.
ووفق بشارات، فقد فرضت الولايات المتحدة أجندتها السياسية على الأنظمة السياسية العربية والإقليمية والدولية، ما دفع هذه الأنظمة إلى البقاء ضمن الحدود التي تحددها واشنطن، ما يعيق أي تحرك سياسي جاد على المستويين الإقليمي والدولي تجاه ما يجري في قطاع غزة.
وأكد بشارات أنه "لو كان هناك تحرك جاد، لكان هذا التحرك قد فتح المجال أمام الحضور الشعبي والجماهيري، ما قد يؤثر بشكل كبير على الوضع في غزة".

القضية الفلسطينية عادت إلى الواجهة بقوة

وبالرغم من هذه التحديات، يرى بشارات أن القضية الفلسطينية عادت إلى الواجهة بقوة في نفوس جماهير العالم، مشيراً إلى أن مشاهد الإبادة في قطاع غزة تسهم في إشعال وعي الجماهير والمجتمعات العربية والإسلامية والدولية.
وأعرب عن اعتقاده أن "هذا الوعي المتزايد سيؤدي في لحظة ما إلى انفجار شعبي قد يغير الخارطة السياسية والنظم الحالية، ويؤثر على مجريات الأحداث على مستوى العالم".
وأكد بشارات أن المطلوب لإيقاظ العالم وهيئاته ومؤسساته هو صمود الفلسطينيين في وجه الاحتلال الإسرائيلي وممارساته، فكلما أظهر الشعب الفلسطيني مزيدًا من الصمود وعدم الاستسلام، أصبح نموذج الصمود الفلسطيني محفزاً لوعي الجماهير، ما قد يؤدي إلى تحرك عالمي شعبي واسع".
وشدد بشارات على "ضرورة توحيد الخطاب الوطني الفلسطيني، حيث يرى أن الوقت قد حان لإغلاق صفحة التباينات الداخلية بين الفلسطينيين، والسعي لتوحيد المضامين، وتوحيد الخطاب الفلسطيني الذي نقدمه للعالم".
ويرى بشارات أن "توحيد هذا الخطاب سيكون دافعاً لتعزيز حضور القضية الفلسطينية على الساحة الدولية، وربما يؤدي إلى تغيير في المواقف الدولية تجاه ما يجري في فلسطين".