محور المقاومة لن يمنح نتنياهو صورة نصر
وسام رفيدي
ليس السؤال فيما إذا كان محور المقاومة سيرد على الضربات الإسرائيلية الأخيرة أم لا، فهذا السؤال أضحى لا مكان له، فالرد قادم لا محالة إيران لن تفوّت اغتيال القائد الكبير هنية على أرضها، وحزب الله لن يمرّر اغتيال مسؤوله العسكري الأول، ولا اليمنيين والعراقيين سيبلعون ضرب منشآتهم المدنية. السؤال يبقى: ما هي حدود الرد، وما توقعات الرد على الرد، وإلى ماذا ستؤول الأمور على مستوى المنطقة.
من نافلة القول إن دولة الإبادة حققت إنجازاً تكتيكياً باغتيالها لهنية وشكر، وبالتالي نجح نتنياهو بالتبجح أنهم يستطيعون الوصول لأي كان، مع أن تبجحه هذا لا يصح على واقعة اغتيال القائد هنية، فالرجل لم يكن بأي حال يحيا حياة سرية، كشكر، لتتبجح بانك عرفت أين هو ونلت منه، وهذا لا شك ما حسّن من مكانة الجيش ونتياهو في الشارع الإسرائيلي، المتعطش للدم الفلسطيني.
ولكن الأهم، وهو ما بدا واضحاً، أن هذا الإنجاز أعاد رسم قواعد الاشتباك، وحسّن من مكانة دولة الإبادة في معادلة الردع. اي أنه أعاد الأمور بين "محور المقاومة" ودولة الإبادة لما قبل السابع من أكتوبر. منذ السابع من أكتوبر وحتى ما قبل الضربات الإٍسرائيلية الأخيرة، نجح "محور المقاومة" في المبادءة والمواصلة وتحديد مديات المعركة وإطالتها كحرب استنزاف، ناهيك عن تحقيق منجزات ميدانية جعلت مقولة (الجيش الذي لا يقهر) تذروها الرياح، فحَرم دولة الإبادة من تحقيق أهدافها المعلنة، في غزة وجنوب لبنان. هذا ما أُعتبر وبحق تغييراً في قواعد الاشتباك، وحرمان دولة الإبادة من عامل الردع، وبالتالي تغيير معادلة هذا الردع.
بالتدقيق في بيان المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية وخطاب السيد نصر الله، يمكن القول أن الطرفين الأساسيين في المحور، دون التقليل من جهد ودور اليمنيين والعراقيين، خاصة الأول، يدركان ضرورة إعادة تحديد قواعد الاشتباك والعودة لمعادلة الردع كما قبل أسبوع. فأن يعلن نصرالله الفصل بين الدور الإسنادي منذ 8 شهور، وبين الرد على اغتيال شكر، فيه دلالة أكدها نصر الله أن هذه معركة جديدة ومرحلة جديدة، محدداً أن الرد سيكون حقيقياً وليس شكلياً، وهو متروك (للميدان وظروفه وفرصه)، وفي هذا دلالة أن الرد سيتجاوز حدود الانتقام المشروع لاغتيال شكر، ليصل حدود رسم قواعد الاشتباك من جديد، وليعيد معادلة الردع لسابق عهدها، في معركة تحرير طويلة، وليست آنية مرتبطة بضربة هي مجرد رد محدود وشكلي على الاغتيال.
أما بالنسبة للجمهورية الإسلامية، فما حققته من قوة ردع في شباط الماضي رداً على الاعتداء الإسرائيلي على قنصليتها في دمشق، فقد تعرض هو الآخر للانتكاس بفعل اغتيال هنية على أرضها، وما يعنيه ذلك من اختراق أمني ظاهر، ومس بمكانة وسيادة وأمن الدولة، ناهيك عن شرفها باغتيال ضيف رسمي عندها. وعليه يمكن فهم الإعلان الرسمي المباشر والسريع للمرشد بالرد الحاسم على الاغتيال، كما يمكن فهم الإشارات العديدة من هنا وهناك، من مسؤوليين سياسيين وعسكريين إيرانيين، بأن الرد سيكون قاسياً. يمكن فهم كل هذا بأنه تفكير جدي بإعادة رسم معادلة الردع بين إيران ودولة الإبادة.
وما يبدو واقعياً، وتشير له كل التقديرات، سواء في محور المقاومة أو من طرف أعداء المحور، فهو التوقع بأن يكون الرد موحّداً ومنسّقاً من قبل محور المقاومة ككل، فأن تعمد دولة الإبادة للاعتداء، وفي مدى أسبوع واحد، على لبنان وإيران واليمن والعراق، يعني أنها، من حيث تدري أو لا تدري، دعت محور المقاومة للتوحد في الرد عليها. وبالتالي فكل محور المقاومة معنيٌّ بالرد لمنع نتنياهو من أن ينتشي بنصره المعنوي المؤقت وإنجازه التكتيكي. إن حرمان نتنياهو من صورة النصر التي يريد غدا مهمة ملحة أمام محور المقاومة، وبدونها يصعب تصور عودة معادلة الردع وقواعد الاشتباك لما كانت عليه.
أما أن محور المقاومة لا يريد حرب شاملة يسعى إليها نتنياهو، فهذا معروف ومفهوم، وأما أنه مستعد لها ولا يخشاها فهذا أيضاً معروف، وبين عدم تطوير الرد لحدود الحرب الشاملة، مع الجاهزية لخوضها، وبين السعي لإعادة رسم معادلة الردع وقواعد الاشتباك، نعتقد أن العقل السياسي والعسكري لمحور المقاومة يصب جهده هنا بالذات، وتعودنا أنه بفعل ما يقول.
إن حرمان نتنياهو من صورة النصر التي يريد غدا مهمة ملحة أمام محور المقاومة، وبدونها يصعب تصور عودة معادلة الردع وقواعد الاشتباك لما كانت عليه.