انتصرت إسرائيل في حربها على المستشفيات

انتصرت إسرائيل في حربها على المستشفيات، فهدمت المباني وقتلت الأطباء واعتقلت المرضى من غرف العناية واقتادتهم لأماكن مجهولة، قتلت البعض منهم وعذبت البعض الآخر، واقتحمت الأقسام وأحرقت الأجهزة والمعدات الطبية وغرف العمليات، وأعدمت الأطباء والممرضين والمرضى فتداعى النظام الصحي وانهار، وأعلن جيش الاحتلال متباهيًا بالوصول إلى مستشفى الشفاء تارة ومستشفى الشهيد كمال عدوان، ومتشفى شهداء الأقصى، وبقية مستشفيات قطاع غزة التي لم تسلم كلها، وكلما وصل إلى مستشفى خرج متحدث الجيش ليعلن عن انجاز جديد حققه جيش الاحتلال.
الاحتلال الذي فتحت له كل مخازن السلاح الأمريكية وتم تزويده بأحدث الطائرات والقنابل الذكية وبأقوى ترسانة عسكرية في العالم، اتخذ من المستشفيات هدفًا منذ اللحظة الأولى للحرب، وقام بإعداد الخطط العسكرية في مواجهة النظام الصحي لتحقيق أهداف الإبادة الجماعية، وهذا ما لم يحدث في التاريخ من قبل. أن تشن حربًا على المستشفيات يكون الهدف منها القضاء على القطاع الصحي.
حكومة الحرب وجيشها وترسانتها العسكرية انتصرت على مستشفيات غزة، وانهار القطاع الصحي، وهي تصور الأمر وكأنه بطولة، وتتخذ من هذا أنه انتصار على غزة، وهي أيضًا تحقق انتصارات أخرى على التعليم مثلًا فهدمت الجامعات والمعاهد والمدارس، وانتصرت على شبكة الصرف الصحي والبنية التحتية فخربت الطرق ودمرتها، وهذا أبرز ما حققته حكومة الحرب في اليوم ال ١٧٠ للحرب، وليس هناك أي انتصار آخر غير ما فعلته، فهل كان يستدعي الأمر حشد ترسانة عسكرية أممية في البر والبحر والجو، وتحريك الأسطول الأمريكي والبريطاني في البحر الأبيض المتوسط للهجوم على غزة، من أجل تحقيق نصر على مستشفيات القطاع وجامعاته ومدارسه.
إن استمرار حرب الإبادة الجماعية وصمة عار على جبين الإنسانية، وعلى كل الدول التي لا تتحرك ولم تتداعى لوقف هذا القتل والدمار، فهي بذلك تكون شريكة في هذه الحرب المستعرة، وإن إطالة الحرب تعني المزيد من القتلى والجرحى، فقطاع غزة بات فاقدًا لكل مقومات وأساسيات الحياة وسط استمرار الحرب والحصار المشدد من كل الجهات.
إن كان كل هذا الحشد الدولي والدعم العسكري والبطش والقصف والقتل والاعتقال من أجل تحقيق انتصار على مستشفيات القطاع، فيمكن القول أن الاحتلال انتصر بذلك، لكن الحقيقة أنه يداري عجزه عن تحقيق الأهداف من الحرب بهذا الوهم الذي يسوقه للعالم ولكل من دعم وأيد هذه الحرب، بعد أن فشل في تحقيق نصر حقيقي يتمثل بالوصول إلى أسراه أو تفكيك قوة المقاومة، أو حتى الوصول إلى شبكة الأنفاق التي تستخدمها المقاومة، وهذا هو الفشل الذي يريد أن يخفيه، وهو يختبئ خلف صورة الانتصار على المستشفيات.
بعد أن هزمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر، يسعى الاحتلال بكل السبل لترقيع صورته، وضبط إيقاعها على المستوى الذي ساد لعقود طويلة من الزمن، بيد أن الأمر بات مستحيلًا في الواقع الحديث، لأن لثام الوهم الذي كان يخافه الكثيرين سقط، وظهرت حقيقة هذا الجيش الذي كاد أن ينتهي في ساعات يوم السابع من أكتوبر.
انتصر الاحتلال في حربه على المستشفيات، وفشل في تحقيق أهدافه من الحرب التي يخوضها معبأ بعقيدة عنصرية فاشية، تقتل الأطفال والنساء والشيوخ، مرتبكًا أبشع المجازر والمذابح الجماعية، على مرأى العالم الصامت الذي لا يتحرك.