الولايات المتحدة تخطط لإقامة قاعدة عسكرية في دمشق
ذكرت وكالة رويترز الجمعة أن الولايات المتحدة تخطط لإقامة قاعدة عسكرية في العاصمة السورية دمشق، في خطوة تمثل تحولًا لافتًا في الموقف الأميركي من الملف السوري، خاصة بعد إعلان إدارة الرئيس دونالد ترمب دعمها للحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، المعروف سابقًا باسم أبو محمد الجولاني، الزعيم السابق لـ"جبهة النصرة" التابعة لتنظيم القاعدة.
وبحسب التقرير، تعتزم واشنطن إنشاء وجود عسكري دائم في قاعدة جوية على أطراف العاصمة، لمراقبة اتفاق سلام محتمل تسعى لرعايته بين إسرائيل وسوريا. وتشير مصادر أميركية إلى أن الخطوة تشبه الدور الأميركي في مراقبة اتفاقات وقف إطلاق النار في لبنان وغزة، رغم الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة لكلا الاتفاقين.
من جانبها، نفت وزارة الخارجية السورية صحة التقرير لكنها لم تنفِ صراحةً وجود تحضيرات أميركية في دمشق، مكتفية بالقول إن المرحلة الراهنة تمثل "تحولًا في الموقف الأميركي نحو الانخراط المباشر مع الحكومة المركزية ودعم وحدة البلاد". كما نقلت رويترز عن مسؤول دفاعي سوري قوله إن طائرات نقل أميركية من طراز C-130 هبطت مؤخرًا في القاعدة المقترحة لفحص جاهزية المدرج.
ويأتي هذا التقرير قبيل وصول أحمد الشرع، (أبو محمد الجولاني سابقا)، إلى واشنطن في زيارة رسمية تبدأ الاثنين، 10 تشرين الثاني 2025، حيث سيستقبله الرئيس ترمب في البيت الأبيض. ومن المتوقع أن يعلن الطرفان انضمام دمشق رسميًا إلى التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، بينما تطالب واشنطن الأمم المتحدة برفع العقوبات المفروضة على الشرع بسبب ماضيه الجهادي وصلاته السابقة بأبي بكر البغدادي، مؤسس التنظيم.
رغم النفي السوري، يرى مراقبون أن الخطوة – إن صحت – تمثل إعادة تموضع أميركي داخل سوريا أكثر من كونها تحولًا جديدًا. فالولايات المتحدة تحتفظ بوجود عسكري في البلاد منذ أكثر من اثني عشر عامًا، انطلق أولًا في شمال شرق سوريا بدعوى محاربة "داعش"، ثم تحوّل لاحقًا إلى ورقة ضغط جيوسياسية في مواجهة روسيا وإيران.
يشار إلى أن الوجود الأميركي، الذي تركز سابقًا في قواعد الحسكة ودير الزور والتنف، منح واشنطن قدرة على مراقبة خطوط الإمداد الإيرانية، لكنه ظل محدودًا سياسيًا بسبب رفض دمشق وروسيا الاعتراف بشرعيته. أما اليوم، ومع تغيّر القيادة السورية وصعود الشرع وجبهة النصرة إلى دفة الحكم، يبدو أن واشنطن تحاول تدوير نفوذها العسكري عبر الانخراط المباشر مع السلطة الجديدة، وربما استخدام دمشق نفسها كنقطة ارتكاز لمعادلات إقليمية أوسع تشمل العلاقات الإسرائيلية-السورية.
يشار إلى أن هذا التحول، وإن كان ما زال في بدايته، يعكس سعي الولايات المتحدة إلى استعادة نفوذها في الشرق الأوسط في وقت يشهد تراجع الدورين الروسي والإيراني بفعل الحرب في أوكرانيا والعقوبات الاقتصادية. ومع ذلك، تبقى الخطوة محفوفة بالتساؤلات حول شرعيتها القانونية ومغزاها السياسي، خاصة أن قائدًا سابقًا في تنظيم القاعدة يتحول اليوم إلى شريك استراتيجي محتمل لواشنطن.
وفي المقابل، فإن الوجود الروسي في سوريا يستند إلى دعوة رسمية من الحكومة السابقة برئاسة بشار الأسد منذ عام 2015، ما يمنحه غطاءً قانونيًا، بينما يتم الوجود الأميركي بمعظمه خارج أي تفويض أممي. فبينما تسعى موسكو لتثبيت نظام حليف والحفاظ على قواعدها في طرطوس وحميميم، تهدف واشنطن إلى تطويق النفوذ الإيراني والروسي ومنع تشكل ممر استراتيجي من طهران إلى بيروت.
وإذا مضت واشنطن في إنشاء قاعدة داخل دمشق، فستكون قد نقلت منافستها مع موسكو من أطراف سوريا إلى قلبها السياسي والعسكري، فاتحة بذلك فصلًا جديدًا من الصراع الجيوسياسي على مستقبل هذا البلد، بعد أكثر من عقد على اندلاع الحرب فيه





