هل سيصمد وقف إطلاق النار في غزة؟ الخبراء يضعون السيناريوهات
مثّل اتفاق وقف إطلاق النار خلال الشهر الجاري بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والاحتلال الإسرائيلي خطوة انتظرتها غزة المكلومة بفارغ الصبر، بعد عامين من حرب طاحنة لم تبقِ للسكان إلا الرماد والمعاناة وإبادة جماعية.
ويؤكد محللون وخبراء في الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية أنه مع ما حمله الاتفاق من بوادر انفراج لحياة نحو 2.3 مليون فلسطيني أرهقهم الجوع والحصار، فإنه لا يكفي وحده لانتشال القطاع من أزمته، وأن تنفيذ بنوده وتحويلها لاستقرار فعلي يحتاج التزاما سياسيا صارما وجهدا خارجيا غير منقطع.
أما بشأن مستقبل الاتفاق، فقد تعددت السيناريوهات في تقديرات المتابعين بين إمكانية المراوحة في المرحلة الأولى دون تقدم، أو استمرار الخروق الإسرائيلية مع تصعيد محدود، وصولا إلى احتمال انفجار الوضع وعودة القتال إذا فشل الدور الدولي والإقليمي في حماية الاتفاق.
ويأتي هذا الاتفاق بعد عامين من عدوان إسرائيل غير مسبوق على قطاع غزة، وفي أجواء إقليمية ودولية مشحونة بالتجاذبات، حيث قاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب مبادرة دبلوماسية مكثفة، واحتضنت مصر المفاوضات التي أفضت في 11 أكتوبر/تشرين الأول الجاري إلى إقرار الاتفاق رسميا.
ورغم إشادة العالم بالاتفاق، فإن الأيام الأولى شهدت خروقا إسرائيلية ميدانية راح ضحيتها عدد من الفلسطينيين، وتبقى الأسئلة مفتوحة حول مصير هذا الاتفاق، وقدرة الوسطاء على تجنيب غزة المزيد من الدمار والقتل.
وفي محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات، التقى عدد من الخبراء والمختصين في الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية، الذين وضعوا عدة متطلبات من أجل نجاح اتفاق وقف إطلاق النار.
تشمل هذه المتطلبات حضور أميركي نشط وضغط سياسي واقتصادي متواصل، ورقابة دولية وتدخل عاجل عند أي تعطيل لتنفيذ بنود الاتفاق، وسرعة إدخال المساعدات وفق ما جاء في الاتفاق والتزام إسرائيل بالانسحاب من المناطق المنصوص عليها.
كما تشمل ضرورة رفض الوصاية الأجنبية والاعتراف بدور المقاومة في إدارة القطاع خلال الفترة الانتقالية، وإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني ودمج غزة مع الضفة ووقف سياسة فرض الأمر الواقع.
أما السيناريوهات التي توقعها المحللون لهذا الاتفاق فهي: تثبيت الهدنة مع خروق إسرائيلية مستمرة، جمود الاتفاق عند المرحلة الأولى وإدامة الأزمة الإنسانية والسياسية، تجدد المواجهات في حال عجز الوسطاء عن حماية الاتفاق.
وتشير التقارير إلى أن الظروف التي تحقق فيها اتفاق وقف إطلاق النار جاءت في ظل واقع إنساني بالغ القسوة، ومع اشتداد الضغوط الدولية والإقليمية لإيقاف آلة الموت التي اجتاحت غزة لعامين.
وحسب ما نشره موقع مجموعة الأزمات الدولية، فإن المحفز المباشر لهذا الاتفاق كان الغارة الجوية الإسرائيلية في 9 سبتمبر/أيلول الماضي على مفاوضي حماس في اجتماعهم في الدوحة.
وأضاف التقرير أن محاولة الاغتيال الفاشلة لقادة حماس أثارت غضب قطر ودول الخليج الأخرى، مما دفعها إلى توحيد جهودها الدبلوماسية مع مصر وتركيا.
ويربط مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي نجاح هذه الظروف بمدى انخراط الوسطاء وصرامتهم، ويقول إن لولا الجهد الأميركي والضغط العربي-التركي ما كان لهذا الاتفاق أن يرى النور.
ومع ذلك فإن ضمان بقائه مرهون برقابة لصيقة وتدخل سريع ضد أي محاولة إسرائيلية لتفريغه من محتواه.
ويشدد معظم الخبراء على أن استدامة الاتفاق تتطلب التزامًا سياسيًا وميدانيًا جادًا، في مواجهة مناورات إسرائيلية متوقعة ومسؤولية دولية ضاغطة.
لكن تقرير مجموعة الأزمات يذهب إلى أن الاتفاق -رغم الترحيب المرحلي- يفتقر إلى آليات التنفيذ الصارمة والضمانات الدولية التي تحول دون انتكاس مساره.
ويشدد التقرير على أن وقف إطلاق النار ينبغي ألا يتحول إلى مجرد "هدنة مؤقتة"، بل يجب أن يُستتبع بإرادة سياسية وعمل دبلوماسي مستمر من جميع الأطراف.
الموقف الأميركي أيضا مهم لنجاح هذا الاتفاق، حيث إن حكومة نتنياهو واليمين المتطرف يبحثان عن ثغرات لتعطيل الاتفاق.
وفي المقابل، يزيد الخبير في الشؤون الإسرائيلية عماد أبو عواد على ما سبق بأن أي محاولة لفرض وصاية خارجية أو تجاهل القوى الفلسطينية الأساسية ستقود إلى فشل ذريع.
ويؤكد أبو عواد على ضرورة تطبيق ما تم الاتفاق عليه فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية وسرعة إعادة الإعمار وفتح معبر رفح لدخول وخروج الغزيين.
وفي تصريحاته، شدد شاكر على دور الوسطاء، فالوسطاء العرب والإقليميون أمام اختبار حقيقي، ويجب عليهم الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة لإنجاح الاتفاق.
ويذهب أستاذ العلوم السياسية بأن نجاح الاتفاق واستكمال بقية بنوده يحتاج إلى تغير حقيقي في البيئة السياسية الإسرائيلية والدولية.
سيناريوهات الاتفاق تبدو رهينة موازين القوى وحجم الضغط الدولي ونجاعة الضمانات الأمنية، وهي قابلة للتغير المستمر.
ويحذر الجمل من أن السيناريو الأرجح هو الاكتفاء بتنفيذ المرحلة الأولى، فإسرائيل ترفض أي وجود دولي دائم يعطل قدرتها على التدخل.
ويشير التقرير إلى أن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو إدارة أزمة طويلة بدل حلها، مع استمرار بعض المساعدات وانفراج محدود.
وتحذّر المجموعة من أن غياب المشاركة الفلسطينية الحقيقية في الحوكمة قد يعزز الانقسام ويفاقم الأزمة.
أما عماد أبو عواد فيرى أن السيناريو الأرجح هو البقاء في دائرة المراوحة مع التقدم البطيء، حيث لن نعود إلى حرب الإبادة.
وبعد عامين من أبشع عدوان شهدته غزة، فلا تزال غزة ترزح تحت وطأة الحصار والجراح المستمرة.
بين هدنة مثقلة بالانتهاكات وسيناريوهات مفتوحة، يبقى مصير اتفاق وقف إطلاق النار رهنا بإرادة الفاعلين الدوليين والإقليميين.





