المشروع الأمريكي الإسرائيلي.. السيطرة على القطاع وتقاسمه كـ"غنيمة حرب"

تؤكد المؤشرات أن قطاع غزة لم يعد وفق الرؤية الأمريكية– الإسرائيلية سوى فرصة استثمارية وعقارية، وليس كموطن لشعب له حقوق وهوية وطنية راسخة، إذ إن التصريحات الأخيرة لوزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، التي تحدث فيها عن غزة وتقاسمها مع الولايات المتحدة الأمريكية، تؤكد اعتبار القطاع كـ"غنيمة حرب".
ويؤكد كتاب ومحللون سياسيون ومختصون وأساتذة جامعات في أحاديث منفصلة لـ"ے"، أن المخططات المطروحة لا تقتصر على مشاريع عقارية أو سياحية، بل تتسع لتشمل تهجير السكان، واستغلال الغاز قبالة السواحل، وحتى مشروع قناة لربط البحرين الأحمر والمتوسط كبديل عن قناة السويس، بالتوازي مع الاستيطان بداخله.
ويرى الكتاب والمحللون والمختصون وأساتذة الجامعات أن هذه الطروحات التي يتحدث عنها سموترتش ليست تصريحات عابرة، بل ملامح خطة طويلة الأمد تهدف إلى إعادة تشكيل غزة بما يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية، على حساب الوجود الفلسطيني ومحوه من الخارطة السياسية والديمغرافية.
تحول خطير في التوجهات الإسرائيلية-الأمريكية
يحذّر أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس المفتوحة د.قصي حامد من خطورة التصريحات الأخيرة لوزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، التي تكشف بوضوح التصورات الأمريكية– الإسرائيلية لمستقبل قطاع غزة بعد الحرب، والمبنية على النظر إلى القطاع باعتباره "فرصة استثمارية وعقارية"، لا باعتباره أرضاً مأهولة بشعب له حقوق وهوية وطنية راسخة.
ويؤكد حامد أن توصيف سموتريتش لغزة بأنها "استثمار عقاري" يعكس تحولاً خطيراً في التوجهات الإسرائيلية-الأمريكية نحو التعامل مع القطاع باعتباره مشروعاً استثمارياً يُبنى على استبدال السكان الأصليين بالمستعمرين، في سياق "عقلية استعمارية إحلالية" تقوم على طرد الفلسطينيين وإلغاء وجودهم التاريخي.
ويشير حامد إلى أن هذا الطرح ينسجم مع ما سبق أن أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عند حديثه عن تحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، وهو ما يمثل امتداداً مباشراً للفكر الصهيوني القائم على نفي الفلسطينيين من أرضهم.
ويبيّن حامد أن تصريحات سموتريتش ليست مجرد آراء فردية، بل تجسيد عملي لتصور استراتيجي طويل الأمد، يرى في غزة "غنيمة حرب" بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
وبحسب حامد، فإن هذا المنطق "يقلب القطاع من كونه مجتمعاً حياً إلى مجرد أرض للاستثمار العقاري، يلغي المصير الإنساني والسياسي لسكانه، ويُشرعن مشاريع وصاية دولية قد تُبقي القطاع تحت إدارة أمريكية لعشر سنوات أو أكثر".
ويشير إلى أن هذا التوجه يعني إلغاء ارتباط الفلسطينيين بمكانهم وحرمانهم من حقهم في تقرير المصير، وتحويلهم إلى مجرد "رعايا بلا جذور"، في مقابل تكريس مشروع إحلالي يفتح الباب أمام توطين سكان آخرين على حساب الشعب الفلسطيني.
جعل غزة "مكاناً غير صالح للعيش الآدمي"
ويؤكد حامد أن كثافة عمليات التدمير والهدم في القطاع خلال الحرب الجارية تمثل خطوة تمهيدية تهدف إلى جعل غزة "مكاناً غير صالح للعيش الآدمي"، بما يفرض على سكانه الرحيل القسري ويمهد لتحويله إلى مشروع تطوير عقاري "مغلف بالوعود الاقتصادية".
ويلفت إلى أن هذه التصريحات تكشف انسجاماً تاماً مع الخطط الإسرائيلية المتداولة، ومع تعنت الاحتلال في رفض أي دور فلسطيني في رسم مستقبل غزة، مؤكداً أن الولايات المتحدة وإسرائيل تعملان على وضع القطاع تحت وصاية أمريكية مباشرة، بما يعيد إلى الأذهان أنماط النفوذ والانتداب الخارجي الذي فرض على شعوب المنطقة في القرن التاسع عشر.
ويوضح حامد أن الهدف المعلن هو "إعادة تشكيل غزة" كمنطقة اقتصادية وسياحية تستقطب الاستثمارات الأجنبية في مجالات العقارات والبنية التحتية، ولكن بإدارة أمريكية صرفة، بعيداً عن أي مشاركة فلسطينية.
ويرى أن هذا التوجه يعكس مشروعاً استراتيجياً لإقصاء الفلسطينيين من القرار ومن فرص تحديد مستقبلهم، وفرض واقع جديد بالقوة، يعيد إنتاج التهميش والهيمنة بأدوات استعمارية حديثة.
اتجاه متكامل الأركان لإعادة هندسة القطاع
ويؤكد حامد أن خطورة تصريحات سموتريتش تكمن في أنها ليست "عبثية أو عابرة"، بل تمثل اتجاهاً متكامل الأركان لإعادة هندسة قطاع غزة بما يخدم المشروع الأمريكي – الإسرائيلي.
ويقول حامد: "ما يجري في غزة اليوم من قتل وهدم وتهجير ليس سوى أدوات لتهيئة الأرض، بحيث تُصبح خالية من سكانها الأصليين، وجاهزة لتكون مشروعاً عقارياً مربحاً، تنفذه الولايات المتحدة وإسرائيل تحت لافتة الاستثمار والتنمية".
ويؤكد حامد أن هذه التصورات تلغي تماماً معاناة الفلسطينيين وتعمل على تعظيمها، من خلال تكريس سياسات القتل والتدمير والتهجير، لتصبح غزة "منطقة استثمارية على أنقاض الألم الفلسطيني"، في محاولة لفرض مشروع استعماري جديد يخدم مصالح أمريكية وإسرائيلية مشتركة، بعيداً عن حقوق الشعب الفلسطيني وتطلعاته الوطنية.
سموتريتش ينظر للقطاع كـ"ثروة عقارية"
يؤكد أستاذ العلوم السياسية د. أمجد بشكار أن سموتريتش ينظر إلى قطاع غزة بوصفه "ثروة عقارية هائلة"، ويرى في أراضيه وبنيته التحتية فرصاً استثمارية ضخمة، سواء في المجال العمراني أو السياحي أو حتى البنى التحتية التي يمكن إعادة هندستها بما يخدم مصالح دولة الاحتلال.
وبحسب بشكار، فإن سموتريتش يخطط للتفاوض مع الولايات المتحدة على ما يشبه "تقاسم قطاع غزة"، عبر ترتيب يتيح لكل من واشنطن وتل أبيب استغلال الأراضي وإعادة إعمار القطاع بعد الحرب وفق رؤية إسرائيلية أمريكية بحتة.
ويوضح بشكار أن الهدف الأول والأساسي في هذه الرؤية هو تهجير الفلسطينيين كلياً أو جزئياً، من أجل إتاحة المجال لتحويل غزة إلى مدينة سياحية واستثمارية، تكون جزءاً لا يتجزأ من إسرائيل، ليس على المستوى العسكري المؤقت فقط، بل على المستوى المدني والديموغرافي الطويل الأمد.
ويشير إلى أن سموتريتش لطالما أكد أن إسرائيل "لا تنوي الانسحاب من قطاع غزة" بعد إعادة احتلاله، بل تسعى إلى إعادة الوجود الاستيطاني داخله، وإقامة مشروعات عقارية وسياحية بمشاركة محتملة لمستثمرين دوليين، خاصة من الولايات المتحدة.
ويرى بشكار أن الاحتلال يسعى لاستغلال الفرصة الحالية لفرض سيطرة إسرائيلية شاملة على غزة، مستنداً إلى الضوء الأخضر الأمريكي يمنحه شكلاً من أشكال الشرعية السياسية الدولية.
ويشير بشكار إلى أن المعاني العميقة لهذه المخططات تكشف عن ضم فعلي لقطاع غزة، يرافقه تغيير ديموغرافي كبير عبر التهجير المباشر أو عبر فرض ظروف معيشية تجعل بقاء الفلسطينيين في القطاع شبه مستحيل.
ويؤكد بشكار أن هذه الاستراتيجية تمثل استخداماً واضحاً للاستثمار كأداة سياسية وأمنية، إذ يراد تحويل غزة إلى منطقة استثمارية وسياحية، تحت إدارة إسرائيلية مباشرة، وبمشاركة أمريكية ودولية توفر غطاءً لفرض هذا الواقع الجديد.
ويبيّن بشكار أن هذه الخطط تنطوي على إعادة هندسة ملكية الأراضي والبنية التحتية، بحيث يعاد توزيع الملكيات وفق مصالح إسرائيلية، وربما يتم إدخال شركات إسرائيلية أو دولية لتملك الأراضي وبناء مستوطنات جديدة.
ويعتبر بشكار أن هذا الطرح يعكس سعي الاحتلال إلى تغيير ليس فقط الواقع الجغرافي بل أيضاً الواقع القانوني والإداري في غزة، وهو ما سيفتح الباب أمام مواجهة قانونية ودولية واسعة، سواء عبر منظمات حقوق الإنسان أو المؤسسات الأممية التي قد تعتبر هذه الخطط انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي.
ويحذر بشكار من أن تنفيذ هذه الرؤية سيؤدي إلى إضعاف السلطة الفلسطينية وإنهاء دورها في قطاع غزة، إلى جانب تهميش المؤسسات المحلية والدولية مثل وكالة الأونروا، بحيث تتم إعادة الإعمار والخدمات تحت إدارة إسرائيلية بحتة.
ويشير بشكار إلى أن هذا التوجه يتقاطع مع أهداف أوسع لإسرائيل تتمثل في إنهاء الاعتراف الدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، وطمس أي وجود رسمي فلسطيني في غزة.
ويشدد بشكار على أن الهدف النهائي من هذه المخططات هو تقليل عدد الفلسطينيين في غزة إلى أدنى حد ممكن، عبر سياسات تهجير مباشر أو غير مباشر، وإعادة بناء القطاع على أسس عقارية وسياحية جديدة، ربما تصل إلى ما يشبه "الريفييرا" التي تحدث عنها بعض الساسة الأمريكيين وعلى رأسهم الرئيس دونالد ترمب، بما يخدم المشروع الإسرائيلي في السيطرة على الأرض، وإعادة صياغة الواقع السياسي والديموغرافي للمنطقة بالكامل.
طموحات استيطانية توسعية للتيار الأكثر تطرفاً
يحذر الكاتب والمحلل السياسي والمختص بالشأن العام نهاد أبو غوش من خطورة الخطاب الصادر عن وزيري حكومة الاحتلال بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، معتبراً أنه يعكس الطموحات الاستيطانية والتوسعية لتيار الفاشية الصهيونية الأكثر تطرفاً، رغم أن ما يصرحان به لا يعبر دائماً عن السياسة الرسمية لإسرائيل.
ويؤكد أبو غوش أن خطورة هذه التصريحات تكمن في كونها تؤثر على اتجاهات واسعة داخل اليمين الإسرائيلي، بما في ذلك صفوف حزب الليكود والأحزاب الدينية.
ويوضح أبو غوش أن سموتريتش يتميز بطابع "أيديولوجي خلاصي مسياني"، فيما يميل بن غفير إلى "البلطجة وعنف الشوارع"، مستعيداً إرث حركة "كاخ" التي ينحدر منها.
وبرغم الفظاظة والتوحش التي تميز بن غفير، يرى أبو غوش أن سموتريتش أكثر خطورة، لأن أفكاره تُترجم إلى دعوات صريحة لـ"حسم الصراع بالقوة، وإنكار وجود الشعب الفلسطيني، وإعادة احتلال واستيطان قطاع غزة".
محاولات للتأثير على القرار السياسي
وبشأن تصريحات سموتريتش حول تقاسم غزة مع الأمريكيين، يشدد أبو غوش على ضرورة قراءتها كجزء من محاولات للتأثير على القرار السياسي، مشيراً إلى أن العامل الحاسم في هذه المسألة هو الموقف الأمريكي، إذ "يمكن للإدارة الأمريكية إنهاء الحرب بمكالمة هاتفية واحدة"، على حد وصفه.
ويلفت أبو غوش إلى أن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، عقب توليه منصبه في كانون الثاني/يناير 2025، شكّلت "ضوءاً أخضر" لإسرائيل وأعطت دفعة رسمية لخطط التهجير.
ويبيّن أبو غوش أن حكومة نتنياهو سرعان ما نقضت الاتفاقية الموقعة في التاسع عشر من الشهر ذاته، وعلّقت تنفيذ مراحلها الثانية والثالثة، متأثرة بتصريحات ترامب التي دعا فيها صراحة إلى تهجير سكان غزة، والترويج لمشاريع إعادة إعمارها كـ"مدينة عالمية وريفييرا الشرق الأوسط"، لكن من دون الفلسطينيين.
ويوضح أن هذه الرؤية، التي تبناها ترمب، ما تزال توجه سياسة حكومة الاحتلال حتى اليوم، رغم تبني القمة العربية الإسلامية في القاهرة مشروعاً لإعادة إعمار القطاع، وهو المشروع الذي بقي "حبراً على ورق".
ويشدد أبو غوش على أن الخطط الأمريكية الإسرائيلية ليست قدراً محتوماً، مؤكداً أن الشعب الفلسطيني يقاوم هذه المشاريع بكل الوسائل المتاحة، مدعوماً بموجات التعاطف العالمي وإدانة إسرائيل، إلى جانب الأزمات الداخلية المتفاقمة التي تعصف بالاحتلال، والتي تشكل عقبات جدية أمام تنفيذ هذه المخططات.
ويشير أبو غوش إلى أن الولايات المتحدة تتعامل مع قطاع غزة "بوصفه قطعة أرض صالحة للاستثمار العقاري المربح، وليس باعتباره جزءاً من الوطن الفلسطيني"، وهي نظرة يكرسها تاريخ ترمب كرجل أعمال ومقامر في كازينوهات لاس فيغاس.
طابع استثماري ربحي للطروحات الإسرائيلية
ويوضح أبو غوش أن دخول شخصيات مثل رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير وصهر ترامب جاريد كوشنر على خط "استثمارات غزة" يكشف بوضوح الطابع الاستثماري– الربحي لهذه الطروحات، إذ إن كوشنر كان من أوائل المروجين لمشاريع عقارية في القطاع بدفع مباشر من ترمب.
ويؤكد أبو غوش أن إسرائيل تسعى للتخلص من قطاع غزة لأسباب تاريخية وديموغرافية، إذ ظل القطاع معقلاً للهوية الوطنية الفلسطينية والمقاومة، فضلاً عن محاولة الاحتلال كسر التعادل الديموغرافي بين الفلسطينيين والإسرائيليين اليهود على أرض فلسطين التاريخية، حيث يتساوى الطرفان تقريباً في العدد.
ويشير أبو غوش إلى أن المشاريع الإسرائيلية– الأمريكية، المسلحة بسياسات التهجير والقتل والتدمير، ستظل تواجه مقاومة فلسطينية متجذرة، وضغوطاً سياسية وشعبية عالمية، ما يجعل فرضها على الأرض مهمة صعبة وغير محسومة.
مساحة مفتوحة أمام الاستيطان والاستثمارات
يؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت د. سعد نمر أن التصريحات الأخيرة لسموتريتش حول تقسام قطاع غزة مع الولايات المتحدة الأمريكية، تكشف عمق المخططات الإسرائيلية والأمريكية لقطاع غزة، التي لا تقف عند حدود العدوان والتهجير الجاري، بل تمتد إلى مشاريع استيطانية واقتصادية استراتيجية ضخمة.
ويوضح نمر أن جوهر هذه المخططات يتمثل في السعي لإخراج سكان غزة نهائياً من القطاع، وتحويله إلى مساحة مفتوحة أمام الاستيطان والاستثمارات التي يلهث وراءها كل من إسرائيل والرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
ويشير نمر إلى أن سموتريتش يرى في تهجير أهالي القطاع صفقة رابحة لإسرائيل، إذ يسمح لها بالسيطرة الكاملة على الأرض وتنفيذ مشاريع استيطانية واسعة، في الوقت الذي يحصل فيه ترامب على ما وصفه بـ"الريفييرا الشرق أوسطية" عبر استثمارات عقارية قدرت قيمتها بنحو 100 مليار دولار، مع عوائد متوقعة تصل إلى 400 مليار دولار خلال عشر سنوات.
ويعتبر نمر أن هذه الأرقام تكشف حلم ترمب بتحويل غزة إلى مركز استثماري ضخم يخدم مصالحه ومصالح حلفائه في إسرائيل.
ويؤكد أن الأهداف الإسرائيلية لا تقتصر على الاستيطان أو استغلال العقارات فقط، بل تتجاوز ذلك إلى مشروع جيوسياسي ضخم يتمثل في إنشاء قناة مائية لربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط كبديل عن قناة السويس المصرية.
ووفقاً لنمر، فإن الدراسات تشير إلى أن هذه القناة يمكن أن تمر إما من داخل قطاع غزة أو بمحاذاته، وهو مستحيل في ظل وجود الفصائل الفلسطينية، لكن بعد تهجير السكان وفق المخطط الإسرائيلي الأمريكي– سيصبح تنفيذه ممكناً.
ويشدد نمر على أن ثروات الغاز الموجودة قبالة شواطئ غزة تمثل جزءاً رئيسياً من هذه الأطماع، إذ تحتوي على كميات كبيرة يمكن استثمارها لصالح إسرائيل وشركاتها، ما يجعل القطاع مطمعاً اقتصادياً من الدرجة الأولى.
ويقول نمر: "عيون ترمب على الاستثمارات وعوائدها المالية، وعيون سموتريتش على التوسع الاستيطاني، أما إسرائيل كدولة فتنظر إلى مشروع القناة والغاز باعتبارهما ركيزتين استراتيجيتين لمرحلة ما بعد الحرب".
ويرى نمر أن ما يُرسم لقطاع غزة خلال الفترة المقبلة يتجاوز الحرب الحالية، إذ تسعى إسرائيل إلى تهجير سكان القطاع بشكل كامل أو جزئي على الأقل، عبر سياسات ممنهجة من القتل والتدمير ودفع الناس للنزوح.
ويؤكد نمر أن هذا التوجه بات واضحاً في ممارسات الاحتلال، حتى وإن حاولت الخطابات الرسمية التخفيف من حدته في بعض الأحيان.
المخططات المطروحة ستواجه عقبات كبيرة
مع ذلك، يعبر نمر عن قناعته بأن هذه المخططات ستواجه عقبات كبيرة تحول دون نجاحها، في مقدمتها الموقف الفلسطيني الشعبي، إذ يرفض سكان غزة النزوح من مدنهم، بل إنهم ما زالوا حتى اللحظة يرفضون الانتقال من مدينة غزة نحو جنوب القطاع رغم حجم الدمار.
ويؤكد نمر أن "الإصرار الفلسطيني على البقاء في الأرض يمثل العقبة الأولى أمام مشاريع التهجير".
أما العقبة الثانية –بحسب نمر– فتتمثل في دور المقاومة الفلسطينية، التي لا تزال تمتلك القدرة على عرقلة مثل هذه المشاريع إذا ما قررت إسرائيل المضي قدماً فيها بشكل كامل. ويقول نمر: "رغم الكلفة الباهظة التي يدفعها الفلسطينيون، إلا أن الوعي الشعبي والمقاومة الميدانية سيجعلان من تنفيذ هذه المخططات أمراً بالغ الصعوبة".
ويؤكد نمر أن المشروع الإسرائيلي الأمريكي لغزة ليس مجرد سيناريو نظري، بل خطة متكاملة تسعى إلى تغيير وجه القطاع كلياً، لكنه يشدد على أن الإرادة الفلسطينية والواقع الميداني سيبقيان العامل الحاسم في إفشال هذه الخطط.
استمرار لمخططات قديمة متجددة
يؤكد الكاتب والباحث السياسي والمختص في العلاقات الدولية نعمان توفيق العابد أن ما يجري اليوم من سياسات إسرائيلية تجاه الفلسطينيين ليس وليد اللحظة، بل هو استمرار لمخططات قديمة متجددة، استغلتها الحكومة الإسرائيلية الحالية بعد أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، للإعلان عنها وتنفيذها بشكل أكثر وضوحاً وصراحة، بعيداً عن أي اعتبار للقوانين الدولية أو الشرعية الأممية.
ويوضح العابد أن هذه المخططات تستند في جوهرها إلى هدفين رئيسيين: الأول هو تصفية القضية الفلسطينية ومنع قيام الدولة الفلسطينية، والثاني هو إعادة احتلال قطاع غزة وتفريغه من سكانه.
ويؤكد العابد أن ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية من جرائم إبادة جماعية وعمليات تهجير واسع بحق الفلسطينيين يدخل ضمن هذه الاستراتيجية التي تشكلت منذ بداية هذه الحكومة، بالاتفاق بين الأحزاب المشكلة لها على أسس واستراتيجيات واضحة.
ويشير العابد إلى أن المشروع بدأ فعلياً في الضفة الغربية عبر الاستيطان المتسارع، وسلب الأراضي الفلسطينية، والتنصل من الاتفاقيات الدولية السابقة، بل وسن القوانين التي تمنع عملياً أي اعتراف إسرائيلي باحتمالية قيام دولة فلسطينية.
ويلفت العابد إلى أن هذا التوجه لم يقتصر على الحكومة الحالية فقط، بل كان قائماً في الحكومات الإسرائيلية السابقة، لكنه اتخذ شكلاً أكثر حدة وتطرفاً مع هذه الحكومة.
وفيما يتعلق بقطاع غزة، يشدد العابد على أن هناك خططاً قديمة جديدة يجري العمل على تفعيلها، تتضمن السيطرة الكاملة على القطاع وإفراغه من سكانه أو الإبقاء على الحد الأدنى منهم.
ويوضح العابد أن هذه المخططات تشمل مشاريع اقتصادية وأمنية ذات أبعاد إقليمية ودولية، من بينها السيطرة على موارد الغاز الطبيعي قبالة شواطئ غزة، والتي تُعتبر مطمعاً لدول كبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل.
ويلفت العابد إلى وجود مشروع استراتيجي آخر يتمثل في إنشاء قناة مائية تربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر عبر قطاع غزة، لتكون بديلاً عن قناة السويس المصرية. ويعتبر العابد أن هذه الخطط تكشف الأهمية الجيوسياسية الكبيرة لموقع غزة على ساحل المتوسط، حيث تسعى قوى دولية وإقليمية لإيجاد قواعد عسكرية ومواقع نفوذ في هذه المنطقة الحساسة، بما يمنع أي وجود فلسطيني أو عربي حقيقي فيها.
ويشير العابد إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية بدورها باتت تكشف عن حقيقتها أكثر من أي وقت مضى، حيث تحاول جني الثمار عبر استخدام حلفائها وأدواتها لدفع الثمن.
ويؤكد العابد أن ما يطرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يعكس مساعي بلاده للسيطرة على قطاع غزة، في حين يحاول وزراء إسرائيليون، مثل بتسلئيل سموتريتش، الحصول على حصة من هذه "الغنائم" عبر مشاريع اقتصادية مشتركة.
ويحذر العابد من أن ما يُرسم لقطاع غزة في المرحلة المقبلة قد يؤدي إلى تهجير قسري واسع لمعظم سكانه، سواء عبر البر أو البحر أو حتى الطائرات، إذا ما وُجدت بلدان تستقبل هذه الأعداد.
التمهيد لفرض حلول تهجير خارجية
ويؤكد العابد أن العمليات العسكرية الإسرائيلية البرية الجارية في مدينة غزة، إلى جانب التضييق والنزوح القسري وتجميع السكان في مناطق ضيقة، تهدف في النهاية إلى جعل الحياة هناك مستحيلة، تمهيداً لفرض حلول تهجير خارجية.
ويشير العابد إلى أن المرحلة المقبلة "بالغة الصعوبة"، وقد تشهد محاولات جدية لإفراغ قطاع غزة بالكامل، في سياق مخططات التصفية والتطهير العرقي، التي تتقاطع فيها المصالح الإسرائيلية والأمريكية، لتقويض أي إمكانية لوجود كيان فلسطيني مستقل أو حياة طبيعية للفلسطينيين في هذه المنطقة الحيوية.