حيًّا ميتًا تحت سماءِ الاغتيال

بهاء رحال
إن الوقتَ المرتبكَ أمامك، في دمويةِ المشهدِ وانعدامِ الحياة، تحت القصفِ وتَتالي الغاراتِ في ثواني الموتِ الرهيب، وانحسارِ الزمنِ بين فكّي الحصارِ وتحتَ سماءِ الاغتيال، في غرابةِ الأقدارِ التي تشهدُ فيها موتَك، حيًّا ميّتًا، وميتًا حيًّا، في اللّاحياةِ والتباسِ المعايير، وفي غرابةِ الصورةِ والموقف المثقل بملامح الحياد الذي اتخذه البعض وسيلة للنجاة، وهروبًا من صورته الضعيفة الهشة، وصمته المريب.
تقفُ الضحية وحيدة مع نفسها، لا لتبكي، بل لتسخر من أعدائها، وهيَ تكتبُ نشيد انبعاثها الآتي، وقيامتها الأكيدة في الوجدانِ العصيّ على النسيان، وأمام ذلك يواصل الجناة فعلها الآثم، ويواصلون حرب الإبادة بكل أشكالها وأدواتها، وبكل دمويتها وبشاعتها، وتواصل الخداع الآثم برعاية استعلائية أمريكية.
إنَّ ممارسةَ الخداعِ على الجوعى هو أفظعُ جُرمٍ بشريّ، إذ تدعوهم إلى جهةٍ محددة ليحصلوا على بعضِ الطعام والشراب، وما إن يصلوا ويجتمعوا في المكان، حتى تقتلهم جوعى وعطشى بالرصاص والقصف المباشر. فأيُّ فعلٍ إجراميٍّ هذا؟ وأيُّ دمويةٍ تسكنُ عقيدةَ القاتل؟ إنها بشاعة غير مسبوقة في تاريخ الحروب، وفي التاريخ البشري المعاصر. هكذا فعلوا وهذا ما رصدته عين الكاميرا، وما خفي بكل تأكيد أبشع وأكثر دموية من كل وصف.
تتواصل حرب الإبادة في غزة، وتتلكأ الجهود المبذولة في وقف الحرب، ويتداول الناس الأخبار في تضارب مقيت، يتبدل كل ساعة، فتارة يعلنون أنها اقتربت، وتارة أخرى يقولون أن الخلافات على بعض التفاصيل تعيق الاتفاق، وأمام ذلك يكون الناس في غزة عرضة للانتظار والترقب، تحت القصف والقتل والجوع واستمرار الحصار، أمام هذا فإن مسلسل الموت والقتل المستمر يخيم على شيء في غزة، الناس المتعبون في العراء، والفقد الذي أصاب الجميع، وصور الضحايا والأشلاء، وأنين الجرحى الذين ينتظرون العلاج، والأطفال الذين يموتون جوعًا ومرضًا من أثر نقص الغذاء والدواء.
في وفرة الموت وشُحّ القبور، تنحبس الأنفاس هذه الأيام، ويعلو صوت الأمنيات بالتوصّل إلى اتفاقٍ يوقف الحرب، ويضع حدًّا لهذا الموت والدمار، حيث الحياة معلّقةً على مقصلة الإبادة، والأمل يختنق تحت الركام.
غزة اليوم في كل زاوية حكاية فاجعة، وفي كل بيت مرثية، وفي كل عائلة فقدان مؤلم، وجريح يئن، وطفولة تبكي زمانها بدمع وحيد، وصوت يردد يا وحدنا.