العمال الفلسطينيون في قلب الكارثة

بهاء رحال
الطبقة التي تعرّضت للسحق خلال أشهر الحرب هي الطبقة العاملة، فقد وصلت إلى ما دون حدّ الفقر والعوز، ونهشتها الأيام والأشهر الطويلة، وحُرِمت من أبسط مقوّمات العيش الكريم، وعاشت ظروفًا قاهرة وصعبة من دون أدنى الحقوق.
طبقة العمال الذين كانوا يقتاتون رزقهم يومًا بيوم، وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها بلا عمل، ولا دخل، ولم يسأل عن حالهم أحد. هم عمال بلادي الذين وقعوا ضحية الحرب المستعرة، كما وقعوا ضحية ضعف الخطط الحكومية الرامية إلى انتشالهم من حالة الضرر، فتدهورت أحوالهم، وفقدوا أعمالهم، وتُرِكوا يواجهون مصائرهم وحدهم، بلا عون ولا دعم، وبلا فرص للعمل، أو تأمين اجتماعي أو تأمين صحي، ولم تنصفهم خطط الطوارئ، ولم يتداعَ لإنقاذهم من تقع على عاتقهم مسؤولية الإنقاذ.
جاء الأول من أيار هذا العام، وحال عمال بلادي صعب، وظروفهم الاقتصادية مستحيلة، بينما عمال غزة بين شهيد وجريح ونازح، يعيشون الكارثة تحت الإبادة التي لم يسلم منها مصنع أو منشأة، ولا شركة أو مؤسسة، ولم يسلم شيء، لا بشر ولا شجر ولا حجر.
هذا هو واقع عمال بلادي الصعب، واقع صعب وغاية في الخطورة نظرًا لتدهور هذه القطاعات الهامة، وهم عصب المجتمع، وإحدى ركائزه التي تعتمد عليها دورة الإنتاج والسوق في الاقتصاد الفلسطيني، حيث إن بعض الإحصائيات الصادرة عن اتحاد العمال الفلسطيني تشير إلى أنه، وقبل هذه الحرب، كان عدد العمال يقرب من نصف مليون عامل، باتوا بعد الحرب في عداد العاطلين عن العمل، ونسبة كبيرة منهم دخلت مرحلة العوز والفقر.
وعلى نحو مماثل، فثلما قام الاحتلال بقصف وتدمير المنشآت الاقتصادية في غزة بالطائرات الحربية، فإن الحواجز العسكرية والبوابات والسواتر الترابية دفعت العديد من المنشآت الاقتصادية في الضفة إلى الإغلاق أو تقليل عدد العاملين، نظرًا لتراجع القوة والقدرة الشرائية في ظل واقع اقتصادي يشهد كل يوم تراجعًا غير مسبوق، يتهدد المزيد من القطاعات الاقتصادية.
أرقام مخيفة وصادمة، تنبئ بعواقب اقتصادية وخيمة، وعجز واضح في معالجة الحال، في ظل الحصار المفروض، وقرصنة إسرائيل لأموال السلطة، وتوقّف الدعم الدولي، واستمرار حرب الإبادة في غزة، وسياسات الضمّ والتهويد والمصادرة في الضفة والقدس.، وهذا يستدعي تحرك عملي، جاد ومسؤول،في إطار معالجات على وجه السرعة.
إن إنقاذ العمال الفلسطينيين مسؤولية وطنية وأخلاقية عاجلة، تتطلب تحركًا حقيقيًا يتجاوز الشعارات نحو سياسات واقعية تعيد لهذه الفئة صمودها ودورها في بناء الوطن.
عمال فلسطين ليسوا بخير يا عمال العالم، فهم يعيشون بلا عمل، وبلا ضمان صحي، وبلا حقوق تُعطى لهم، وبلا عمل متاح، شحيح هو قوتهم وقوت أبنائهم، وفي غزة فإنهم يموتون ويُقتَلون في خيام النزوح ومراكز الإيواء، وهذا هو واقع عمال فلسطين هذا العام يا عمال العالم.