هل تراجعَ ترمب عن "ريفييرا الشرق"؟.. الخطة ليست قدراً.. هجمة مرتدة كفيلة بإجهاضها

فبراير 10, 2025 - 11:39
هل تراجعَ ترمب عن "ريفييرا الشرق"؟.. الخطة ليست قدراً.. هجمة مرتدة كفيلة بإجهاضها

على وقع الاحتجاجات الدولية بدا الرئيس الأمريكي دونالد ترمب كأنه قد تراجع ولو شكلياً بصورة مؤقتة عن تصريحاته السابقة بشأن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وسط تحذيراتٍ من أن يكون ذلك تراجعاً تكتيكياً وليس استراتيجياً، خاصة أن ترمب عاد ليؤكد أنه "ليس في عجلة من أمره" لتنفيذ هذا المخطط. 

ويرى كتاب ومحللون سياسيون ومختصون وأساتذة جامعات في أحاديث منفصلة مع "ے" أن هذا التراجع لترمب لا يعكس تخلياً عن الفكرة، بل هو مجرد خطوة تهدئة مؤقتة، في ظل إدراك الإدارة الأمريكية أن التهجير الجماعي يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، وقد يُعرض مصالحها الإقليمية والدولية للخطر.

ويؤكد الكتاب والمحللون وأساتذة الجامعات والمختصون أن المخطط الأمريكي-الإسرائيلي للتهجير ليس جديداً، بل يعكس جوهر السياسات الصهيونية، وتنفيذ هذا المشروع قد يتم تدريجياً من خلال تجفيف سبل الحياة في غزة، وخلق بيئة طاردة للسكان، ما قد يدفع الفلسطينيين إلى الهجرة "الطوعية" تحت وطأة الظروف القاسية، لكن في المقابل، فإن استمرار الضغوط الدولية والعربية قد يُجبر ترمب على إعادة تقييم موقفه، خاصة إذا أصبحت تكلفته السياسية أعلى من الفوائد المحتملة.

من ناحية أُخرى، يرى الكتاب والمحللون والمختصون وأساتذة الجامعات أن ترمب، الذي ينتهج أسلوب المساومة والابتزاز السياسي، قد يستخدم قضية التهجير ورقة ضغط في سياق تفاوضه مع أطراف إقليمية، حيث يمكنه عرض وقف تنفيذ المخطط مقابل تقديم تنازلات سياسية أو اقتصادية.

 

حالة من التراجع والارتباك والتردد

 

يرى الكاتب والمحلل السياسي د. أحمد رفيق عوض أن تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بأنه "ليس في عجلة من أمره" لتنفيذ خطة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة يعكس حالة من التراجع والارتباك والتردد، وربما التخلي المؤقت عن الفكرة، فالمقترح الذي أطلقه ترمب بـ"فجاجة وجهل وغباء" واجه موجة من ردود الفعل القوية على المستويات الدولية والإقليمية، ما دفعه إلى إعادة النظر في خطته، أو على الأقل التباطؤ في تنفيذها.

ويؤكد عوض أن أحد الأسباب الرئيسية وراء تراجع ترمب عن تنفيذ مخططه في الوقت الحالي هو أن التهجير الجماعي للفلسطينيين يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والقانون الإنساني، كما أنه يتعارض مع السياسات الأمريكية التقليدية التي كانت تعتمد -ولو شكلياً- على إدارة الصراع بدلاً من إشعاله بمشاريع تهجير جماعي، فتبني مثل هذه الفكرة يعني أن الولايات المتحدة تدير ظهرها بالكامل لكل ما تم التوافق عليه دولياً في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ما قد يضر بمكانتها العالمية وعلاقاتها مع الدول الحليفة.

ويعتقد عوض أن التهجير الجماعي للفلسطينيين لا يشكل كارثة إنسانية فقط، بل إنه يضر بإسرائيل نفسها، كما يضر بـحلفائها في المنطقة، ويهدد مسار التسوية والتطبيع الذي سعت إسرائيل إلى ترسيخه مع الدول العربية خلال العقود الثلاثة الماضية، فإذا تم تنفيذ الخطة، فإن العلاقات الإسرائيلية العربية ستتعرض لاهتزازات خطيرة، وربما تنتهي تماماً، لأن الأنظمة التي وقّعت اتفاقيات تطبيع ستجد نفسها في مواجهة شعوبها الغاضبة، ولن تكون قادرة على تبرير استمرار علاقتها بإسرائيل في ظل تهجير الفلسطينيين وتصفية قضيتهم.

ويشير عوض إلى أن خطة التهجير تضع الأنظمة العربية المعتدلة في مأزق كبير، لأنه من المستحيل أن توافق على التهجير وتساع  في تصفية القضية الفلسطينية، فإذا تحول الأمر إلى تهجير بدل الدولة، فماذا يبقى من مبررات للتطبيع؟ هذا يعني أن الأنظمة العربية ستدفع ثمناً باهظاً لا ترغب في دفعه، ما قد يؤدي إلى انهيار كامل لمسار التسويات التي تم التوصل إليها خلال العقود الماضية.

ويصف عوض ترمب بأنه رجل عقارات وسمسار بطبيعته، ولا يفكر في التاريخ، والهويات الوطنية، والحقوق، والقوانين الدولية، بل هو ببساطة يتبع مصلحته أينما وجدها، لذا، فإن تصريحاته لا تعني أنه تراجع كلياً عن الفكرة، بل ربما يبحث عن فرصة أفضل لتطبيقها في المستقبل، فهو كرجل أعمال اعتاد على المساومة والمقايضة والتفاوض، ويعلم أن هناك تكلفة سياسية كبيرة لتنفيذ خطته في هذا التوقيت، وبالتالي فقد يكون تراجعه مجرد مناورة تكتيكية إلى حين تهيئة الظروف المناسبة.

ويشدد على أن التهجير الجماعي للفلسطينيين ليس فكرة أمريكية، بل هو جوهر المشروع الصهيوني نفسه، فالفكر الصهيوني منذ تأسيسه يقوم على "أرض أكثر، عرب أقل"، و"أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وهذه العقيدة لم تغادر عقلية القادة الإسرائيليين، بل يتم طرحها كل بضع سنوات، ثم يتم تأجيلها إذا واجهت صعوبات، لكن الفكرة لا تموت، بل يتم انتظار الفرصة المناسبة لتنفيذها.

ويشير عوض إلى أن تراجع ترمب عن مشروع التهجير ليس تخلياً عنه، بل مجرد تهدئة مؤقتة، بهدف تجنب ردود الفعل العنيفة وإعادة ترتيب الأوراق السياسية، فالإسرائيليون لا يتوقفون عن التفكير في التهجير، ولكنهم يؤجلون التنفيذ حتى تحين الفرصة المناسبة، وترمب، الذي يعكس الرغبات الإسرائيلية أكثر من كونه صاحب قرار مستقل، قد يعود مجدداً إلى هذه الخطة، إذا رأى أن الظروف تسمح بذلك في المستقبل.

 

مشروع طويل الأمد يتطلب إجراءات تمهيدية

 

يشير الكاتب والمحلل السياسي أكرم عطا الله إلى ما يقصده الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بأنه لا يستعجل تنفيذ خطة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، إذ يدرك أن مثل هذا المشروع لا يمكن أن يُنفذ بين عشية وضحاها، بل هو مشروع طويل الأمد، يتطلب إجراءات تمهيدية مثل الهجرة الطوعية وتجفيف سبل الحياة في القطاع، بما يؤدي إلى خلق بيئة من الضغوط تدفع الفلسطينيين في النهاية إلى مغادرته.

ويشير عطا الله إلى أن تنفيذ تهجير مئات الآلاف من سكان غزة لا يعتمد على ردود الفعل العربية أو الدولية، إذ لا يعيرها ترمب أي اهتمام، وقد أوضح ذلك صراحةً عندما تحدث عن مصر والأردن، مشيراً إلى أنهما قد تعترضان في البداية، لكنهما ستقبلان في النهاية دون أن يكون لهذا الاعتراض تأثير يُذكر.

ويؤكد عطا الله أن موقف ترمب من هذاالمشروع يرتبط بعدة عوامل، منها مصالحه الشخصية المرتبطة بشركاته، إضافة إلى الرغبة الإسرائيلية التي تلعب دوراً محورياً في تعزيز هذا التوجه. 

ويشير إلى أن المشروع يحظى بدعم دولة كبرى ممثلة بـإسرائيل ولوبياتها، ما يجعله أمراً واقعياً بالنسبة لترمب، وحتى في حال عدم نجاح التهجير، فإنه قد يستغل الفكرة للمساومة والتكتيك السياسي، مثل مطالبة السعودية بالتطبيع مع إسرائيل مقابل وقف الترحيل، وهو ما يجعله مشروعاً قائماً حتى اللحظة.

ويشدد عطا الله على أن ترمب ليس صاحب الفكرة، بل هو مجرد ترجمة للرغبة والبرنامج الإسرائيلي. إذ تم تزويده بوثائق، ومشاريع، ومواد مصورة، تدعمه في تبني هذا الطرح، مما جعله يكرر ما تريده إسرائيل تماماً، ولذلك، فإن تراجع ترمب عن الفكرة لن يحدث إلا إذا تخلت عنها إسرائيل أولاً، فهو مجرد واجهة لتنفيذ هذا المخطط.

أما السيناريو الوحيد الذي قد يدفع ترمب للتراجع، بحسب عطا الله، فهو تكثيف الضغوط المضادة لتصبح أكبر وأقوى من الضغوط الإسرائيلية، سواء على المستوى العربي أو الدولي، فإذا بلغت هذه الضغوط درجة غير قابلة للتجاهل، يمكن عندها أن يتراجع ترمب عن المشروع، لكنه لن يفعل ذلك تلقائياً، بل تحت وطأة ضغط يفوق التأثير الإسرائيلي عليه.

 

التراجع محاولة لحفظ خط الرجعة لترمب

 

يؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل، د.بلال الشوبكي، أن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بشأن عدم استعجاله في تنفيذ مقترح تهجير أهالي غزة واحتلال القطاع، قد تكون ناتجة عن ردود الفعل الواسعة والغاضبة على مقترحه، حيث لم تقتصر على الفلسطينيين والعرب، بل شملت أيضاً مستويات سياسية غربية. 

ويشير الشوبكي إلى أن مثل هذه التصريحات ربما جاءت بدفع من بعض مستشاريه الذين أدركوا أن الفكرة حول تهجير أهالي غزة واحتلال القطاع أثارت انتقادات حادة، ما يجعل تنفيذها حالياً أمراً غير واقعي.

ويلفت الشوبكي إلى أن تحويل هذا المقترح إلى مخطط قابل للتنفيذ يتطلب وجود أطراف شريكة تتجاوز الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو أمر غير متوفر في الوقت الراهن. 

ويعتقد أن التراجع عن التصريح لترمب، ولو بشكل ظاهري، قد يكون محاولة لحفظ خط الرجعة في حال فشل ترمب أو أي جهة داعمة له في تنفيذ هذه الفكرة مستقبلاً.

وبحسب الشوبكي، فإن قراءة ترمب ومستشاريه للوضع في غزة، إلى جانب التفاعلات الدولية، قادتهم إلى الاستنتاج بأن الفكرة غير قابلة للتطبيق في المدى المنظور. 

لكن الشوبكي لم يستبعد إمكانية إعادة طرح فكرة التهجير أو احتلال غزة مستقبلاً إذا تهيأت الظروف الملائمة، مرجحاً أن يتم توظيف هذه التصريحات سياسياً، أكثر من كونها خطوة عملية حالية، بحيث تُستخدم كورقة ابتزاز واستثمار سياسيَّين للضغط على الفلسطينيين وتقزيم سقف مطالبهم التفاوضية.

ويوضح الشوبكي أن مثل هذه الاستراتيجيات ليست جديدة، بل تمثل نهجاً أمريكياً-إسرائيلياً كلاسيكياً في التعامل مع الحقوق والطموحات الفلسطينية والعربية، ففي الوقت الذي كان فيه المطلب الفلسطيني التقليدي هو إنهاء الاحتلال وتحقيق الدولة المستقلة على حدود عام 1967، قد يتم التلاعب بالسقف التفاوضي ليصبح مجرد ضمان بقاء الفلسطينيين في أراضيهم، بدلاً من الحديث عن إنهاء الاحتلال أو رفع الحصار.

ويرى الشوبكي أن هذه التصريحات قد تُستخدم أيضاً في سياق العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية مع بعض الدول العربية، لا سيما في مسار التطبيع، فبدلاً من الدفع نحو إقامة دولة فلسطينية، قد يكون الطرح الجديد هو الإبقاء على الفلسطينيين داخل حدودهم الحالية دون حقوق سيادية حقيقية، مما يسهم في تطبيع أوسع مع بعض الدول العربية، خاصة السعودية.

 

إسرائيل وحلفاؤها لن يقلعوا عن فكرة التهجير

 

أما في ما يتعلق بإمكانية تخلي إسرائيل عن فكرة التهجير، فيشدد الشوبكي على أن إسرائيل وحلفاءها لم ولن يقلعوا عن هذه الفكرة، لكن الظروف الحالية لا تسمح بتنفيذها بشكل مباشر، لكن الشوبكي يرى أن العامل الحاسم هنا هو عدم توفر البيئة السياسية والدبلوماسية القادرة على دعم مثل هذا المخطط.

ويؤكد الشوبكي أنه بدلاً من الاكتفاء بإدانة هذه التصريحات الأمريكية والإسرائيلية، ينبغي أن يكون هناك طرح فلسطيني مضاد يستند إلى استراتيجيات تثبيت الفلسطينيين على أراضيهم، وتعزيز وجودهم السياسي والاجتماعي، لمنع تمرير أي مخطط يهدف إلى إضعاف الوجود الفلسطيني أو تهجيره قسرياً.

 

السعي لإعادة تشكيل الوعي الدولي تجاه فكرة التهجير

 

يعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس المفتوحة د. قصي حامد، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يسعى إلى إعادة تشكيل الوعي الدولي تجاه فكرة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، بحيث تصبح واحدة من الخيارات المطروحة ضمن الحلول المستقبلية للمأساة في القطاع، وبالتالي شرعنتها.

ويشير حامد إلى أن هدف ترمب الأساسي يتمثل في تغليف فكرة التهجير بـ"طابع إنساني" وتقديمها كحل "أمثل" لمعالجة الكارثة الإنسانية في قطاع غزة. 

ويعتبر حامد أن ذلك يهدف إلى تحويل الأنظار عن جرائم الحرب والعدوان الإسرائيلي في غزة الذي تسبب بهذه الكارثة الإنسانية إلى شرعنة فكرة التهجير كأحد الحلول الممكنة، حيث إن مبدأ التهجير المقترح يستند إلى تثبيت احتلال اسرائيل للقطاع بل وضمه كجزء منها.

ويحذر حامد من أن أخطر ما يمكن أن يحدث هو أن ينجح ترمب في جعل المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول العربية والفلسطينيون أنفسهم، يتعاملون مع التهجير كأنه حل واقعي وممكن، وتحويل فكرة التهجير من سيناريو غير قابل للتنفيذ إلى طرح تتم مناقشته على المستويات الإنسانية والدولية.

وفي ما يتعلق بما إذا كان طرح ترمب طرحاً حقيقياً أم مجرد تكتيك سياسي، يوضح حامد أن ترمب يدرك صعوبة تحقيق فكرة التهجير على أرض الواقع، ولا سيما رفض الدول العربية لذلك، لكنه يسعى من خلال تصريحات كهذه إلى تحويل هذا الطرح التكتيكي إلى أمر واقع وجعل فكرة التهجير أكثر قبولاً كحل إنساني للواقع الانساني المتفاقم في القطاع.

الجانب الأخطر في طرح ترمب، كما يراه حامد، هو محاولة فرض ضغوط أكبر على الدول العربية مثل مصر والسعودية والأردن، لتهيئة الأجواء لتطبيق هذه الفكرة.

ويعتقد حامد أن ترمب سوف يبقي موضوع التهجير كأداة ضغط على حماس والدول العربية ولا سيما السعودية، والمماطلة بإعادة إعمار غزة، وابقائها مكاناً غير قابل للحياة كجزء من استراتيجية الابتزاز السياسي. 

ويرى حامد أن توقيت طرح ترمب مقترحه يهدف إلى ربط تقدم المراحل التالية للصفقة بمساومة "حماس" لتقديم تنازلات كالموافقة على إخراج قياداتها من غزة، وتفكيك جناحها العسكري، للتراجع عن هذا المقترح، ومن جانب آخر، مساومة السعودية للتخلي عن ربط التطبيع مع إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية، مقابل التخلي عن فكرة التهجير.

وفي ما يتعلق بعدم استعجال ترمب لتنفيذ فكرة التهجير، يعتقد حامد أن هذا ليس تراجعاً عن الفكرة، بل تكتيك مدروس لتهدئة ردود الفعل العربية والدولية، مع الاستمرار في إبقاء الفكرة قائمة في النقاش.

ووفقاً لحامد، فإن الفريق الاستشاري لترمب، وكذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يدركان جيداً أن السياسات الإسرائيلية السابقة التي سعت إلى تهجير الفلسطينيين في غزة فشلت بشكل كبير في تحقيق هذا الهدف، ولذلك، فإن تصريحات ترمب المتتابعة حول التهجير تهدف إلى إبقاء النقاش حياً حول هذه الفكرة دون التخلي عنها.

ويعتقد حامد أن فكرة التهجير تأتي في سياق محاولات الولايات المتحدة وإسرائيل إلى إعادة تشكيل الوعي الدولي، نحو تقبل هذا السيناريو كجزء من مساعي المجتمع الدولي للتخفيف من المعاناة الإنسانية في قطاع غزة.

 

الرأسمالية المتوحشة بأبشع صورها

 

يرى الكاتب الصحفي نبهان خريشة أن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بتأجيل تنفيذ خطته لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة لا تعود فقط إلى المعارضة العربية والدولية وحتى داخل الولايات المتحدة، بل هناك أسباب أخرى دفعته للتصريح بأنه ليس في عجلة من أمره. 

هذا الإعلان، بحسب خريشة، لا يعني أن ترمب تخلى عن الفكرة، لكنه ببساطة لا يضعها على رأس أولوياته في الوقت الحالي، حيث انشغل في الساعات الأولى من ولايته بملفات أُخرى، مثل تعزيز الاقتصاد الأمريكي من خلال فرض رسوم جمركية على واردات الصين وكندا والمكسيك، إضافة إلى تنفيذ سياساته الصارمة ضد الهجرة.

ووفقاً لخريشة، فإن ترمب كشف استعداده لإرسال قوات أمريكية إلى غزة لتنفيذ مخططه، الذي يتضمن تهجير الفلسطينيين وإقامة مشروع "ريفييرا الشرق الأوسط"، وهو ما يعكس الرأسمالية المتوحشة بأبشع صورها، ويعيد إلى الأذهان الاستعمار العسكري المباشر الذي كان سائداً قبل الحرب العالمية الثانية، لكنه، وبعد الحرب، تحوّل إلى الاستعمار الناعم القائم على الهيمنة الاقتصادية واستغلال الموارد الطبيعية للدول الأخرى، وهو ما يحاول ترمب تطبيقه في غزة عبر مشاريع عقارية واستثمارية ضخمة.

وبالرغم من إعلان ترمب تأجيل مشروع التهجير، يرى خريشة أن هذا التراجع تكتيكي وليس استراتيجياً، إذ سيعيد التفكير في آليات جديدة وتحالفات مناسبة لتنفيذه على المدى البعيد. 

 

إعادة تشكيل الاصطفافات السياسية في الشرق الأوسط

 

ويرى خريشة أن ترمب يعمل على إعادة تشكيل الاصطفافات السياسية في الشرق الأوسط بما يخدم مصالحه الشخصية والاقتصادية، مستشهداً بعلاقته مع شركة "دار جلوبال" السعودية، حيث استثمر معها في مشروع بناء فلل فاخرة في العاصمة العمانية مسقط، بتكلفة 200 مليون دولار.

ويوضح خريشة أن أحد أسباب إعلان ترمب عدم استعجاله في تنفيذ المشروع هو إدراكه صعوبة إرسال قوات أمريكية إلى غزة، وعدم إمكانية تسخير إمكانيات الولايات المتحدة السياسية والعسكرية والمالية لخدمة مشاريعه الخاصة، لذا، فهو بحاجة إلى صفقة "مقايضة" مع نتنياهو، تقضي بأن تستأنف إسرائيل الحرب على غزة، بهدف تدمير أي أمل في إعادة إعمار القطاع، وتشديد الحصار على دخول المساعدات الإنسانية، ما قد يدفع الفلسطينيين للهجرة القسرية.

ويلفت خريشة إلى أنه في المقابل، يضمن ترمب دعم إسرائيل عسكرياً وسياسياً ومالياً، وربما الاعتراف بسيادتها على الضفة الغربية أو أجزاء منها، ما سيمكنها من زيادة وتيرة القتل والتدمير في الضفة الغربية، بهدف دفع الفلسطينيين هناك إلى الهجرة أيضاً. وإذا تحقق هذا السيناريو، فإن ترمب سيجد طريقاً مفتوحاً لعقد صفقات تجارية مع شركات إسرائيلية لتنفيذ مشاريعه في غزة، بما في ذلك المنتجعات السياحية، والمنشآت الترفيهية، والتنقيب عن النفط والغاز في أراضيها وسواحلها.

ويشير إلى أن تقييمات علماء النفس لشخصية ترمب تؤكد أنه شخص غير قابل للتنبؤ، إذ لم يعترف يوماً بالهزيمة، حتى في أصعب لحظات إفلاسه في التسعينيات، أو خلال أخطائه الاستثمارية العديدة، فهو يرى نفسه دائم الانتصار، ويعاني من اضطرابات نرجسية معقدة تجعله يرفض الاعتراف بالفشل.

لكن، بالرغم من كل هذه الحسابات، يؤكد خريشة أن ترمب سيدرك عاجلاً أم آجلاً أن مشروعه ليس قدراً محتوماً، وأن الفلسطينيين ليسوا شعباً زائداً على البشرية، كما أنهم ليسوا هنوداً حمراً، فالشعب الفلسطيني، في غزة وكافة أماكن وجوده، سيبقى صامداً، ولن يسمح بتمرير المخططات الرامية إلى اقتلاعه من أرضه.

 

ترمب يسعى لفرض حلول تتماشى مع مصالحه السياسية

 

يرى الكاتب والباحث السياسي د. عقل صلاح أن تراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن تصريحاته بشأن تهجير سكان قطاع غزة يعود إلى ردود الفعل الإقليمية والدولية التي قوبل بها، إضافة إلى المعارضة الداخلية في الولايات المتحدة. 

ووفقاً لصلاح، فإن تصريحات ترمب حول التهجير تتعارض مع الشرعية الدولية والقوانين الإنسانية، ما جعلها تعرض الديمقراطية الأمريكية لضغوط شديدة، ما دفع ترمب إلى تبني موقف أكثر تهدئة بعد أن أدرك حجم الصدمة التي سببتها تصريحاته على جميع المستويات.

ويشير صلاح إلى أن ترمب كان يسعى من خلال تصريحاته إلى اختبار ردود الفعل من قبل الأطراف المعنية، بهدف رسم سياسة مستقبيلة تتماشى مع مصالحه السياسية. 

ويعتقد صلاح أن تراجع ترمب عن طرح فكرة التهجير حالياً لم يكن سوى محاولة لتخفيف حدة الموقف والتقليل من آثار تصريحاته الفاشلة، والتي كانت تتعرض لانتقادات شديدة. 

ومع ذلك، يؤكد صلاح أن تراجع ترمب لا يعني أنه قد تراجع نهائياً عن تنفيذ مخططه بالتهجير، بل قد يعود بمخططه للضغط على الفلسطينيين والعرب للموافقة على حلول تتماشى مع سياسته كالتطبيع مع إسرائيل والحلول التي يطرحها بشأن القضية الفلسطينية.

ويستعرض صلاح بعض تفاصيل سابقة تتعلق بسياق سياسة ترمب، مشيراً إلى أن ترمب هو الرئيس الأمريكي هو الوحيد الذي تجرأ على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، كما أنه هو الذي أعلن عن "صفقة القرن" في مراحلها الأولى. 

وفي هذا السياق، يرى صلاح أن مخطط تهجير الفلسطينيين من غزة يمثل استكمالاً لـ"صفقة القرن"، التي تتضمن شقين: الأول يتعلق بحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فيما الثاني يعد تكتيكاً لتحقيق أهداف إسرائيلية توسعية.

ويؤكد صلاح أن المخطط الأمريكي يسعى إلى فرض "حل القبول بالأمر الواقع" يرتكز على إقامة حكم ذاتي فلسطيني ضمن دويلة محدودة، وتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية، إضافة إلى تطبيع شامل مع الدول العربية، خاصة المملكة العربية السعودية.

ويصف صلاح ما يطرحه ترمب بأنه "نظرية صدمة" تهدف إلى تقديم الحلول بشكل متسارع في محاولة لإجبار الجميع على قبولها.

ويعتقد صلاح أن تصريحات ترمب تأتي في خدمة حكومة نتنياهو، التي تستفيد من استمرار الحكم اليميني المتطرف في إسرائيل. 

ويؤكد أن المؤسسات الأمريكية، بما في ذلك فريق ترمب، تدرك تماماً أن فكرة تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية مخالفة للقانون الدولي ولن تكون قابلة للتنفيذ على الأرض، إلا أن الهدف الحقيقي يكمن في استغلال هذه التصريحات لإجبار الدول العربية على القبول بالتطبيع مع إسرائيل، وبالتالي فرض حلول تُنهي القضية الفلسطينية على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

ويعتقد صلاح أن تصريحات ترمب بشأن التهجير تهدف إلى ممارسة المزيد من الضغط على الدول العربية، مثل السعودية، لقبول فكرة "الحكم الذاتي" للفلسطينيين بدلاً من إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، وهو ما يعكس رؤية إسرائيلية تسعى لتصفية القضية الفلسطينية وتثبيت إسرائيل في المنطقة.