سوريا الجديدة.. الجمهورية السورية الاتحادية
كريستين حنا نصر
بعد حكم الجمهورية العربية السورية ومن خلال حزب البعث السوري، والمتمثل بحكم حافظ الأسد (1970-2000م) ومن بعده ابنه بشار الأسد ( 2000-2024م) ولمدة 54 عاماً، جرب بشار الأسد الذي ورث الحكم بعد والده أن يقلل من القبضة الأمنية، كما حاول أن ينهض بالاقتصاد السوري ويعمل على تنفيذ حزمة من الاصلاحات، ولكن لم يلبث أن اندلعت ضده الثورة السورية في عام 2011م، واستمرت حتى اليوم وانتهت الثورة باسقاط نظام البعث الحاكم فجر الثامن من كانون الأول / ديسمبر 2024م ، وأثناء الثورة حصلت عدة انتهاكات لحقوق الإنسان من قبل عدة أطراف سواء من جهة النظام نفسه أو قوات المعارضة بكل أشكالها. هذه الثورة والحرب الداخلية في سوريا والمتمثلة بعدة قوى مختلفة من المعارضة منها ما هو مدعوم من قوى خارجية.
اليوم، سوريا دخلت مرحلة جديدة بعد إسقاط نظام حزب البعث فيها، تمثلت بهروب بشار الأسد على متن طائرته الخاصة إلى روسيا، وهناك احتمالات بأن الطائرة تم استهدافها وإسقاطها قرب حمص، وأثناء نجاح الثورة بالاستيلاء على معظم المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، تمّ إخلاء السجون وإخراج المساجين منها، والتي كان يديرها الحزب الحاكم في كامل أرجاء سوريا، وأهمها سجن صيدنايا للمعتلقين السياسيين والذين جرى إطلاق سراحهم، والبعض منهم صرحوا بأنهم يظنون أنهم ما زالوا في عهد حكم حافظ الأسد.
هنا لا أريد الرجوع إلى الماضي في سوريا وفترة حكم البعث فيها، ولكن نحن اليوم في موقف وعصر جديد، هو عهد التحرير وثورة الشعب السوري وإسقاط حزب البعث الحاكم فيها من قبل ثوار الجيش الوطني المدعوم من الدولة التركية، وأيضاً من أحرار فصائل تحرير الشام، وقائدهم أحمد الشرع الملقب (بالجولاني)، حيث تمّ إجراء مقابلة تلفزيونية معه على شبكة (CNN) قبل عدة أيام، أشار فيها إلى أن هذه الثورة هي لإسقاط النظام ولا يجب أن يتأذى فيها أحد من الشعب، وبشكل خاص الأقليات فيها، باعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من المجتمع السوري، مضيفاً أن هذه الثورة سوف تكون سلمية والهدف الوصول إلى دمشق وإسقاط حكم بشار الأسد فيها. أسلوبه تغير جذرياً، وكان يتكلم عن الدولة العادلة التي تحترم كافة مكونات المجتمع، وبعد إسقاط نظام البعث فيها، طالب الجولاني بعدم العبث بالمؤسسات الحكومية السورية التي سوف تسلم إلى منظومة حكم مؤقت للحفاظ عليها بكافة فروعها من قبل رئيس وزراء النظام السابق.
وأشعر وبعد انتهاء أعمال مؤتمر الدوحة والبيان الختامي الصادر عن هذا المؤتمر أنه لم يطبق منه شيء للأسف، لقد فات الأوان، ففي تلك الاثناء كانت دمشق تسقط بيد الثوار، وكان سقوط دمشق هو جهد جيش العصبة الحمراء الذين نفذوا مهمة إسقاط النظام وبكل سرية، وبشكل سبق زمنياً وصول الثوار إلى دمشق، حيث كانوا مشغولين في معارك حمص ومقاومة جيش النظام فيها، وعندما وصل الثوار إلى دمشق كانت فارغة من قوات النظام وكل شيء فيها منته، وهذا النجاح هو الذي حافظ على مدينة دمشق من أي تخريب أو حرب أهلية أو قتال شوارع، وفي نفس الوقت حدثت انشقاقات في قيادات وجيش النظام، وتمّ التنسيق بينهم وبين أحمد الشرع (الجولاني) حيث فرت منها الميليشيات الإيرانية، وبالتالي لم تعد اليوم دمشق مُسيطر عليها كما كان في الماضي من قبل ميليشيات حزب الله أو الإيرانية، ولكن للآن توجد هناك نيّة من الجيش الوطني المدعوم من تركيا بالاستيلاء على الحكم في سوريا لحكومة موالية لتركيا، واسترجاع الحكم العثماني لسوريا وبعد مائة عام مضت، وذلك لاسترجاع تركيا لأمجادها الماضية في حكم سوريا وحلب من جديد.
والسؤال المهم: من سيحكم سوريا بعد إسقاط نظام البعث فيها؟ أعتقد أن أيام الأطماع الفارسية والعثمانية في الوطن العربي قد ولت، ونحن الآن في سنة 2024م، هذه الألفية حيث الأوضاع الجيوسياسية والقوى العالمية الجديدة، وقد اختلفت عن العصر الماضي الاستعماري القديم، ونحن ندخل مرحلة جديدة في هذا العهد الجديد سمته سيادة الدول وحرية وحقوق الشعوب فيها.
اعتقد الآن أن الأمور ستتجه بأن يستلم زمام الأمور وبشكل مؤقت نظام مجلس عسكري في سوريا ، ممثل بالجيش والمخابرات الجديدة في سوريا لحفظ الأمن وسيادة الدولة السورية، إلى حين تطبيق القرار (2254) المتخذ من مجلس الأمن بتاريخ 18 ديسمبر 2015م والمتضمن وقف إطلاق النار في سوريا والتوصل إلى تسوية سياسية، أي مرحلة انتقالية جديدة للحكم في سوريا الديمقراطية لحين انتخاب رئيس جديد من الشعب، لتدخل سوريا بذلك مرحلة جديدة من الحكم الديمقراطي السياسي المدني، وسوريا وشعبها وحده من سيحكم بلده بدون وجود أي احتلال خارجي، تُحكم سوريا من كامل أطياف شعبها وبالتساوي، أي حكم ديمقراطي تعددي لا مركزي، بمعنى نظام لا مركزي جديد، خلفاً وبديلاً عن النظام القديم المركزي، الذي كانت تحكمه طائفة محددة تجني مكاسبها على حساب حقوق باقي أطياف الشعب السوري.
واعتقد أن اسم سوريا سيتغير من الجمهورية العربية السورية إلى اسم آخر هو الجمهورية السورية الاتحادية، أي دولة جديدة بنظام تعددي لا مركزي اتحادي، وسوريا المستقبل ستكون موحدة بكامل أراضيها حرة، ولن تحكم من أي قوى وأطماع خارجية، وفقط الشعب السوري هو الذي سوف يحكم بلده ويحدد مستقبلها، يحكم سوريا بعدالة وديمقراطية وتعددية، وستبقى سوريا وعاصمتها دمشق عاصمة الأمويين القديمة حرة أبية، وتحيا سوريا المستقبل الجديدة.