استشهاد العاروري الاغتيال والمرحلة الثالثة لن يغيرا من واقع الهزيمة

أما الحديث ومنذ اسابيع عن الترتيبات للتقدم للمرحلة الثالثة من الحرب على غزة فيجب قراءته في سياق مجريات الحرب ذاتها بكل تداخلاتها.
من الوجهة العسكرية الصرف ينبغي تأكيد الحقيقة التي يقر بها الاحتلال قبل المقاومة، وهي الفشل المدوّي في تحقيق الأهداف المعلنة للحرب. ليس من هدف قد تحقق وهذا معروف تماماً، بل على العكس تشتد عمليات المقاومة قوة واتساعاً، خاصة في شمال غزة الذي دخلوها منذ أكثر من شهرين، ولم يستطيعوا السيطرة عليه، بل يتعرضون لضربات المقاومة بمختلف أشكالها يومياً. اما الاسرى لدى المقاومة فلم تحرر (العملية العسكرية) كما يسمونها اي أسير، فيما قدرات المقاومة، وهي بالتأكيد تضررت بعض الشيء، إلا أنها لا زالت قادرة على قصف تل أبيب في اليوم 85، وتنظيم الكمائن وتفخيخ الأنفاق وقنص الجنود واقتناص الدبابات والآليات، وبالتالي عليهم إعلان الفشل رسمياً، رغم أن جنرالاتهم المتقاعدين وصحفييهم لم يبخلوا باستخدام هذا التوصيف (الفشل).
والوضع الداخلي غير المواتي نهائياً لحالة حرب يزداد تأزماً، سواء بفعل الخلافات المحتدمة داخل (فريق قرار الحرب)، أو في العلاقة مع الشارع الإسرائيلي، وخاصة مع أهالي الأسرى لدى المقاومة. لقد ازداد وضع التأزم تأزماً إضافياً في وجه نتياهو تحديداً بعد قرار المحكمة العليا بخصوص إلغاء المعقولية، بحيث بات من المنطقي تكرار السؤال، ولكن هذه المرة بقوة أكثر: هل يتجه الكيان للانفجار الداخلي غير المتوقعة مداياته؟. سؤال افتراضي منطقي.
أما على صعيد عالمي فتزداد عزلة إسرائيل، فليس سواه ومعه سيده الأمريكي يدعمون الاستمرار في الحرب، ويرفضون وقف إطلاق النار، وظهر هذا في التصويت الأخير في مجلس الأمن، فيما موقف العديد من الدول الأوروبية، تحول، ولو كموقف لا يتجاوز حدود (الكلام) بالحد الأدنى، للمطالبة بوقف إطلاق النار، وجاءت مطالبة جنوب إفريقيا الصديقة بطلب فحص قيام إسرائيل بالإبادة الجماعية لدى محكمة العدل الدولية لتزيد عزلة الاحتلال أكثر فأكثر، اما الملايين في شوارع العالم فتهتف بحرية فلسطين وسقوط الاحتلال.
ضمن هذا الوضع العسكري والسياسي، والذي هو بالأساس نتاج المقاومة وانجازاتها الميدانية، أضف له تأزم الوضع الاقتصادي، كما يعلن البنك المركزي الإسرائيلي تباعاً، يمكن فهم خطوة الشروع بالحملة الثالثة لما يسمونه (العملية العسكرية).
ماذا يعنون بالمرحلة الثالثة؟ مرة يقولون توقف القصف المكثف والتركيز على العمليات الخاصة والضربات المركزة، من نوع الاغتيالات وضرب مراكز محددة عن بعد، واجتياحات محدودة يتبعها الانسحاب، تقريباً كما يحدث في الضفة الآن. ومرة يقولون الانسحاب من داخل المدن باتجاه (منطقة عازلة)، تطوّق القطاع شمالاً وشرقاً بعرض كيلو أو أكثر، ومرة ثالثة يقولون الاستمرار بالعملية العسكرية من داخل (حدود إسرائيل) لا من داخل غزة،ـ كما اوردت وسائل الإعلام نقلاً عن الجيش.
واضح أن الإرباك سيد الموقف، وتلك ميزة المهزومين الذين يتلقون ضربات يومية ويحاولون جهدهم التخلص من ذلك الواقع، بالضبط كما يتصرفون منذ السابع من أكتوبر، يرتبكون في كل قراراتهم إلا في قرارات الإبادة والإيغال بدماء شعبنا. كل عضو في مجلس الحرب ينطق بشيء يختلف عن الآخر، وكل وزير يصرح برغباته الدموية بطريقته، ولكن الأهم في كل ذلك أنهم يعانون الهزيمة الميدانية، وما تصرفهم هكذا إلا تعبيراً عن تلك الهزيمة.
أما أن يقال ان الانتقال للمرحلة الثالثة هو استجابة لطلب أمريكي، فهذا هو بالضبط ما يمكن اعتباره تعمية على الهزيمة، وبذات الوقت آلية ما نزلت إسرائيل ومسؤوليه عن الشجرة، آلية تقدمها امريكا لانقاذ أداتهم المدللة من حماقات قراراتها.
لا استجابة للطلب الأمريكي ولا اعتبارات تكتيكية عسكرية، بل فض للاشتباك الذي يوقع الخسائر اليومية الكبيرة في صفوفهم داخل المدن والمخيمات وفي محيطهما، وانسحاب المهزوم الذي يموّه هزيمته بالحديث عن المرحلة الثالثة والاعتبارات التكتيكية العسكرية.
أما حديث نتياهو وغالانت المتكرر عن استمرار الحرب والعملية العسكرية فهو هروب للأمام لا أكثر، علماً أن العدوان بالتأكيد سيستمر ولكن سيأخذ اشكالاً جديدة تسعى للتقليل من خسائرهم الميدانية.
يمكن للمستويات السياسية والعسكرية والأمنية أن تتبجح (بالانتصار) الجديد باغتيال الشيخ العاروري، فيقدمون العملية (كصورة نصر عظيم)، فيحاولون تهدأة الشارع والمنتقدين والغاضبين لفشل حربهم وعدم تحقيق أهدافها، ولكن هذا لن ينفعهم، فمنذ شهرين وهم يقدمون صوراً عديدة لم تنقذهم من وحل رمال المقاومة في القطاع، ولم تنقذهم بالتالي من هزيمتهم في الميدان.
استشهاد العاروري مؤلم لشعبنا وخبر أليم بالتأكيد، ولكن سبقه مئات القادة ومئات الألوف من الشهداء، ومسيرة شعبنا لم تتوقف والمقاومة لم تُهزم، والطريق الذي اختطه الشهيد هو ما يتجسد يومياً في القطاع من مقاومة وصمود، وبالتالي لا دخولهم المرحلة الثالثة من حربهم، ولا اغتيالهم الشيخ العاروري سينفعانهم وينقذانهم من هزيمتهم.