لا تيأسـوا من رحمة الله...!

د. أفنان نظير دروزه
من سنة الله في خلقه أن يبتليهم بشيء من الخوف والجوع ونقص في الأموال والأنفس والثمرات، ويبشر في الوقت نفسه الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. والابتلاء قد يأتي في أشكال متعددة والعياذ بالله، كأن يكون بخوض الحروب والمعارك، أو التعرض لعاديات الزمان كالمرض، أو فقدان عزيز، أو التعرض لخسارة في تجارة وأموال وغيرها من الابتلاءات التي يتعرض لها الإنسان في هذه الحياة. ولأن الله سبحانه عليم بعباده، يحبهم، ورحيم بهم، فقد أمرهم أن يصبروا على ما ابتلوا به، وألا يهنوا ولا ييأسوا، لأن فرج الله قريب ورحمته واسعة وهو القادر أن يبدل الحال بأحسن حال، وما عليهم إلا أن يتحلوا برباطة الجأش والعزيمة والصبر والاتكال عليه في كل الأمور والأحوال وعدم الاستسلام للضعف والانكسار أمام المشاكل، وكأن الله يهدئ من روعهم ويطمئنهم ويقول لهم أنتم في أعيننا، واعلموا أن لكل مشكلة حل، ولكل شدة نهاية، وأن أي معاناة ستكون في صالح الإنسان في النهاية، لأنها ستعلمه درساً في الحياة ليصبح أكثر روية، وأكثر حكمة، وأكثر بعد نظر، وأكثر عقلاً ومنطقاً في معالجة الأمور، وستعلمه متى يقترب من الناس ومتى يبتعد عنهم، ومن هو صديقه ومن هو عدوه، وأن يفرق بين العدو والصديق، والحاسد والطيب، والقريب والغريب، والصالح والطالح. والأكثر لتعلمه أن يقترب من الله ويعرف أين كان مقصراً، حتى إذا ما كان مسيئاً فليستغفر، أو محسناً فليستزيد، إذ أن مثل هذه المشاكل قد تكون من الوسائل التي يخاطب بها الله عبيده ليقول لهم، الحياة ليست مفروشة بالورود، وإنما فيها الكثير من الصعاب والشدائد والأزمات والحروب والزلازل والبراكين والأمراض والتي لا يتجاوزها إلا من آمن بالله واليوم الآخر وبالقضاء والقدر خيره وشره، ولتذكرهم بأن الله وحده هو القادر على حلها وإزالة العقبات من أمامهم، وأن يجعل من العسر يسراً، ومن الضيق مخرجاً، ومن النقمة نعمة، إذا أخذوا بالأسباب وتوكلوا عليه حق توكله.
نعم، إن الابتلاءات وسيلة لتعلمنا كيف نحافظ على أنفسنا وحدودنا فنعرف متى نتكلم ومتى تصمت، ومتى نقترب من الناس ومتى نبتعد، ولتعلمنا أن نشكر الله ونحمده آناء الليل وأطراف النهار على نعمه وآلائه، وأن نعمل الخير ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً. إنها وسيلة تعلمنا أن نشعر مع الفقراء والمحتاجين والمرضى وكل من يعاني من آفة أو يسأل عن حاجة. والأكثر فهي تعلمنا الصبر والنظر إلى الأمور ببعد نظر ومنطقية وموضوعية بعيداً عن الهوى والعاطفة والتحيز، ‘إنها تعلمنا أن تغتنم حاضرنا ونعيش ساعتنا بدون وهن أو ضعف أو يأس، وألا نفكر بما مضى لأن الماضي وهم ولا مردة له ولا فائدة من استرجاعه بالبكاء والنحيب والوقوف على الأطلال، وتعلمنا ألاّ نفكر بما سيأتي لأن المستقبل في علم الغيب ولا أحد يستطيع أن يطلع عليه إلا لله.
من هنا، جاء الله ليخاطبنا ويقول بأنه سيبتلينا بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وذلك حتى نؤمن به ونتكل عليه وألا نيأس وقت الأزمات؛ لأن الله سبحانه وتعالى رحيم بنا وقادر على حل مشاكلنا؛ إذن فلم القلق ولم الخوف ولم اليأس!؟
نعم، إن الابتلاءات وسيلة لتعلمنا كيف نحافظ على أنفسنا وحدودنا فنعرف متى نتكلم ومتى تصمت، ومتى نقترب من الناس ومتى نبتعد، ولتعلمنا أن نشكر الله ونحمده آناء الليل وأطراف النهار على نعمه وآلائه.