معادلة: أمام هزيمة مركبة معقدة تنخر العظم والعظمة

يناير 29, 2025 - 09:51
معادلة: أمام هزيمة مركبة معقدة تنخر العظم والعظمة

حمدي فراج

من المؤسف حقاً أن نرى خلال فترة هدنة، مشاهد ضارية لا تقل ضراوتها عن مشاهد خلال الحرب الإبادية لأسباب وذرائع جد تافهة وغريبة ومستهجنة، كتلك المتعلقة بخطيفة إسرائيلية تعتبرها إسرائيل أنها مدنية، فيما تعتبرها حركة الجهاد عسكرية، بمعنى أن الجهاد تريد مقابلها 50 أسيراً، فيما تريد إسرائيل 

إطلاق 30 فقط. وعليه، أوقفت إسرائيل انسحابها من معسكر نتساريم ومنعت مئات آلاف النازحين من العبور إلى منازلهم، أو على الأدق ما تبقى من منازلهم. هؤلاء من مئات الآلاف لا يستطيعون بدورهم العودة إلى الأماكن التي قدموا منها، لأنهم أحضروا خيامهم معهم، فظلوا في طوابيرهم ينتظرون، وباتوا في العراء ليلتين، وتحملوا صراخ أطفالهم جوعاً وبرداً. فهل هناك أي منطق إنساني أو حيواني أو خيالي يربط مصير إنسان فرد واحد بمصير نصف مليون إنسان ؟ 

لو كانت المسألة خلافية على الورق والطاولة والمناكفة والتهديد والتسويف والابتزاز، لقلنا لا بأس، ولكن أن تقفز المسألة إلى تطبيق التعذيب على نصف مليون نازح لأكثر من 48 ساعة على تخوم منطقة عسكرية خرابية مدمرة، لا ماء ولا مراحيض ولا مطاعم ولا مأوى يقيهم البرد والصقيع في الجزء الأخير من أربعينية الشتاء في فلسطين، فإن هذا فوق ما يتحمله الإنسان ويحتمله، خاصة حين يعرف أن سبب ذلك جندية اسمها "أربيل يهود"، تخيّل نصف مليون اسم كاسمها، فلكل من النازحين اسم أيضاً وعائلة وعنوان، تخيل لو أننا وضعنا قائمة بأسمائهم، كم من الوقت سيستغرقنا لكتابتها، وكم من الحبر نحتاج وكم من الدفاتر. 

البعض سيظن أنها لأنها يهودية أو إسرائيلية، وهذا بالطبع ليس صحيحاً، فقد عمدت إسرائيلها على قتل زملاء لها في أسر المقاومة أكثر من مرة، والصدفة فقط هي المسؤولة عن بقائها حية ترزق، وتعرف عائلتها، ومعها بقية العائلات، الموقف الحقيقي لنتناهو ومعه بن غفير الذي قدم استقالته وسموترتش الذي سرعان ما سيقدمها من موضوع الهدنة والتبادل. 

  إن السبب الحقيقي لهذا التعنت الاستعصائي، أو الاستعصاء التعنتي، يكمن في الشعور بالهزيمة، هزيمة مركبة ومعقدة، من النوع التي تدخل الجسم فتنخر العظم والعظمة، فاقمها معاملة حماس للأسيرات المخطوفات يضحكن بملء أفواههن طوال الوقت، نظيفات، متألقات، سافرات الشعر، متجدلاته على أجمل ما يكون، وبهذا تكون حماس قد تغلبت على إسرائيل "الديمقراطية الحضارية". وقد أصبح بهذا أسوأ يوم عند نتنياهو وحكومته ومجتمعه، هو يوم السبت، حيث يتم تسليم ثلاثة مخطوفين يقابلهم مئة أسير أو أكثر، ولهذا يذهب هو وجيشه لمنع الفلسطينيين من الفرح بالقوة. وبقدرة المقاومة وصبرها وصمود الشعب وثقته بهذه القيادة، تحول صبح العودة إلى يوم من أيام القيامة.